ذلك أنْ تعرفَ لكل ذي فضل فضله. وقال الله تعالى، في ذم بعض الناس: ﴿وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ﴾ [آل عمران: ١٨٨]، فإن حُمِدُوا بما فَعلوا، فلا بأس في ذلك.
وجاء في تفسير الرازي ذِكْرُ الفرقِ بين قوله: ﴿الحمد للَّهِ﴾، وقوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾، لماذا قدم (الله) في العبادة فقال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ ولم يقدمه في (الحمد) فقال: "إن قوله (الحمد) يحتمل أن يكون لله ولغير الله، فإذا قلت (لله) فقد تَقيَّدَ الحمدُ بأن يكون لله. أما لو قدم قوله: (نعبد) احتمل أن يكون لله واحتمل أن يكون لغير الله، وذلك كفر.
والنكتةُ: "أن الحمدَ لما جاز لغير الله في ظاهر الأمر، كما جاز لله لا جَرَمَ حَسُنَ تقديمُ الحمد أما ههنا، فالعبادة لما لم تجز لغير الله، لا جرم قَدَّمَ قوله: ﴿إِيَّاكَ﴾ على نعبد".
وقد تقول: ولكن الله سبحانه قال في مكان آخر: ﴿فَلِلَّهِ الحمد رَبِّ السماوات وَرَبِّ الأرض رَبِّ العالمين﴾ [الجاثية: ٣٦]. فقدم مستحق الحمد، فما الفرق؟
ونقول: ومَن يُنْكر التقديم والتأخير؟ وإنما يكون ذلك بحسب المقام، فإذا اقتضى المقامُ التقديمَ، قُدِّمَ وإلا فلا.
وفي آية الجاثية، اقتضى المقام التقديم، أعني: تقديم الذات المستحقة للحمد، وتخصيصه بها. فقد ذكرت سورة الجاثية أصنافاً من الكفار، وفَصَّلت في ذكر عقائدهم، ومواقفهم من آيات الله ورسله.
فقد ذكرت أنهم اتخذوا من دون الله أولياء (الآية ١٠)، وأنهم اتخذوا الهوى إلهاً لهم (الآية ٢٣). وأنهم نسبوا الحياةَ والموتَ إلى الدهر، لا