جاء في (البحر المحيط) :"وقال ابن عطية: وهذا يتركب على قول مَنْ قال: (لا) نافية، أي: أن هذا البلد لا يقسم الله به، وقد جاء أهلُه بأعمالٍ توجب الإحلال، إحلال حرمته".
وقيل: المعنى: "وأنت حِلّ بهذا البلد مما يقترفه أهله من المآثم مُتَحرِّجٌ بريء منها"، كما تقول: أنا في حِلّ من هذا.
وهذه المعاني كلها مرادة مطلوبة، فهو ﷺ حالٌّ بهذا البلد الكريم يبلِّغُ رسالة ربه متحرجٌ من آثامهم بريءٌ من أفعال الجاهلية، وقد استُحلّت حرمته وأُريد قتله في حين حلولهِ به وتبليغ دعوة ربه. وأنه حَلَّ لهذا الرسول أن يقتلَ ويأسرَ في هذا البلد يومَ الفتح ما لا يحلُّ لغيره. وهذا على الاستقبال وعلى الوعد بنصره.
فانظر كيف جمعت كلمة ﴿حِلٌّ﴾ هذه المعاني المتعددة بخلاف ما لو قال: (حالّ) أو مقيم، أو حلال، أو ما إلى ذلك مما يقصر الكلام على معنى واحد. فإنها جمعت اسم الفاعل وهو الحالّ، واسم المفعول وهو المستحَلّ، والمصدر وهو الحلال. فانظر أيّ اتساع في المعنى؟
وهي في هذه المعاني كلها مرتبطة بالمقسم عليه، وهو قوله: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي كَبَدٍ﴾ أحسن ارتباط وأوثقه كما سنبين ذلك.
وقد تقول: ولِمَ لم يقل: (لا أقسم بهذا البلد الأمين) كما أقسم في سورة التين؟