موظف. فليست كلمة (تاجر) أو (فقيه) أو (موظف) تفسيراً لـ (هذه الدار)، وإنما هي بيانٌ لحقيقةِ ربِّ الدار.
ولو أجاب موسى، عليه السلام، عن سؤال فرعون بقوله: رَبٌّ قادر على كل شيء، حَيٌّ لا يموت، لا يُعْجِزُه شيء، يُجازي المحسنَ بالجنة، والمسيء بالنار، لكان صواباً، ومعلوم أن هذا ليس تفسيراً للعالمين، بل هو بيانٌ لصفة رب العالمين.
إن (العالَم) يُجمَعُ على العوالم وعلى العالمين، والذي يبدو لي: أن العوالم يطلق على جميع العوالم من المكلفين، وغيرهم من جمادات وحيوانات وغير ذلك، وإن (العالمين) لا تطلق إلا على ذوي العلم خاصة، أو على ما اجتمع فيه العقلاء، وغيرهم، فيغلّب العقلاء. ولا يطلق (العالَمون) على غير العقلاء وحدهم، فلا يقال للحشرات والطيور (عالمين) بل عالم أو عوالم، ولكن يقال للبشر أو لجماعة من البشر أو لجيل من البشر، أو للمكلَّفين من خَلْقِ الله من الإنس والجن على مَرِّ العصور (عالمين) كما ورد ذلك في القرآن الكريم. ذلك أن الجمع بالياء والنون خاص بالعقلاء.
فعلى هذا يكون قوله: ﴿الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين﴾ إما أن يعني: رب البشر أو المكلَّفين أو رب الخلق كلهم، وغلّب العقلاء منهم. ولهذا التخصيص أو التغليب سببه ذلك أن الكلام في سورة الفاتحة خاص بالعقلاء، فالعبادةُ والاستعانة وطلب الهداية إلى الصراط المستقيم، وتصنيف الخلق إلى مُنْعَمٍ عليهم، ومغضوب عليهم، وضالين، هو خاصٌّ بالمكلفين. فكان هذا الاختيار أنسب شيء، ولو قال: رب العالم أو رب العوالم، لم يحسن هذا الحُسْنَ لأنه يشملُ غيرَ المكلفين.


الصفحة التالية
Icon