هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، إن فيه رداً على المغضوب عليهم، ومنهم اليهود الذين يدّعون أن الله ربُّ بني إسرائيل خاصة، وليس رب الخلق الآخرين من البشر فردَّ عليهم بقوله: إنه ربُّ العالمين جميعاً، من سائر البشر والمكلفين، فحسن اختيار ﴿رَبِّ العالمين﴾ من كل وجه.
وقد تقول، ولِمَ لَمْ يُفصّلْ في ذكر مظاهر الربوبية، كما فعل في مكان آخر، فقد قال تعالى ثمة ﴿فَلِلَّهِ الحمد رَبِّ السماوات وَرَبِّ الأرض رَبِّ العالمين * وَلَهُ الكبريآء فِي السماوات والأرض وَهُوَ العزيز الحكيم﴾ [الجاثية: ٣٦-٣٧] ؟
والجواب: أنَّ كلَّ مقام اقتضى التعبير الوارد فيه، فقد تردَّدَ ذِكْرُ السماوات والأرض، وما فيهن أكثر من مرة في سورة الجاثية، وذِكْرُ مظاهرِ ربوبيته لها. فقد قال: ﴿إِنَّ فِي السماوات والأرض لأيات لِّلْمُؤْمِنِينَ * وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءايات لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [الجاثية: ٣-٤].
وقال: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض جَمِيعاً مِّنْهُ﴾ [الجاثية: ١٣].
وقال: ﴿وَخَلَقَ الله السماوات والأرض بالحق﴾ [الجاثية: ٢٢].
وقال: ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض﴾ [الجاثية: ٢٧].
وقال: ﴿فَلِلَّهِ الحمد رَبِّ السماوات وَرَبِّ الأرض رَبِّ العالمين﴾ [الجاثية: ٣٦].
وهذا كله من مظاهر ربوبيته للسماء والأرض.
كما ذكر ربوبيته للعقلاء، وسائر الأحياء الأخرى، فقد قال: ﴿وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ﴾ [الجاثية: ٤].
وقال: ﴿الله الذي سَخَّرَ لَكُمُ البحر﴾ [الجاثية: ١٢].
وقال: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض﴾ [الجاثية: ١٣].
فقد سَخَّرَ اللهُ البحرَ وما في السماوات والأرض للإنسان، وهذا من مظاهر الربوبية له.
وقال: ﴿قُلِ الله يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إلى يَوْمِ القيامة لاَ رَيْبَ فِيهِ﴾ [الجاثية: ٢٦].