وقد تقول: ولمِمَ اختار كلمة (رب) ههنا، ولم يختر اسماً أو وصفاً آخر من أسمائه وصفاته كما فعل في مواطن أخرى من الكتاب العزيز، فقد قال في موطن: ﴿الحمد للَّهِ الذي خَلَقَ السماوات والأرض﴾ [الأنعام: ١]. وقال في موطن آخر: ﴿الحمد للَّهِ فَاطِرِ السماوات والأرض﴾ [فاطر: ١] وقال في موطن ثالث: ﴿الحمد للَّهِ الذي لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض﴾ [سبأ: ١]. وقال في موطن رابع: ﴿الحمد لِلَّهِ الذي أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا﴾ [الكهف: ١].
والجواب: أن كل اختيارٍ يناسبُ سياقَ السورة التي ورد فيها، غير أن الملاحظ أن هذه الافتتاحات متكاملة، فقد ذكر في سورة فاطر، أنه فطر السماوات والأرض وابتدأها وأحدث ذواتها من العَدَم الصِّرْف، ثم ذكر أنه خلقها، أي: قدّرها وصوّرها على غيرِ مثالٍ سابق. والخَلْق في اللغة، قد "يكون بمعنى الإنشاء، وإبراز العين من العدم الصرف إلى الوجود، وهذا لا يكون إلا لله [وقد] يكون بمعنى التقدير والتصوير، ولذلك يسمى صانع الأديم ونحوه الخالق، لأنه يقدر".
قال تعالى على لسان عيسى، عليه السلام ﴿أني أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ الطين كَهَيْئَةِ الطير﴾ [آل عمران: ٤٩]. أي: أصوّر وأصنع.
فاللهُ هو المُوجِدُ للسماوات والأرض، وهو المصوِّر المقدر لها على غير مثال سابق، وهو مالكها ومالك ما فيها، فبعد أن ذكر أنه فطر السماوات والأرض وخلقها، ذكرَ أن له ما فيها أيضاً، فقد يملك شخص داراً ولا يملك ما فيها من أثاث، أما الله فهو مالكها ومالك ما فيها، وذكر ربوبيته لها، أي: تربيتها وحفظها وإصلاحها بعد إيجادها، وذكر إنزاله الكتاب على عبده لهداية الخلق.


الصفحة التالية
Icon