وقد تقول: ولِمَ خصَّ الملك بيوم الدين، ولم يذكر الدنيا.
والجواب: أنه قال قبلها: ﴿رَبِّ العالمين﴾ وهو يشمل الدنيا. وأن (يوم الدين) يعني: يوم الجزاء، ولا شك أن مالك يوم الجزاء، هو مالك ما قبله من أيام العمل، وإلا فكيف يجزي على ما ليس ملكاً له؟
وقد تقول: ولِمَ قال: (يوم الدين) ولم يقل: (يوم القيامة) ؟
والجواب: أنه قال ذلك "مراعاة للفاصلة وترجيحاً للعموم، فإن الدين بمعنى الجزاء يشمل جميع أحوال القيامة من ابتداء النشور، إلى السرمد الدائم بَلْ يكادُ يتناولُ النشأةَ الأولى بأسرها، على أن يوم القيامة لا يفهم منه الجزاء مثل يوم الدين".
ثم إن (الدين) له معانٍ عدة، كالجزاء والحساب والطاعة والقهر، فيجمعها في المعنى، فذلك اليوم هو يوم الدين كله، فهو يوم الحساب، وهو يوم الجزاء، وهو يوم الطاعة والخضوع لله، وهو يوم يعزُّ فيه أهلَ طاعته، ويقهرُ أهل معصيته، وهو يوم الدين، أي: يوم إعلاء الدين، وإظهار شأنه كما يقال: (اليوم يومك)، أي: أنت صاحبه والظاهر فيه، و (اليوم يوم المُجِدّين) إلى غير ذلك من المعاني التي تحتملها كلمةُ الدين، ولا يؤدي نحو هذه المعاني: يوم القيامة.
جاء في (روح المعاني) :"وأيضاً للدين معانٍ شاع استعماله فيها كالطاعة والشريعة فتذهب نفس السامع إلى كل مذهب سائغ، وقد قال بكلٍّ من هذين المعنيين بعض، والمعنى حينئذ على تقدير مضاف، فعلى الأول، يوم الجزاء الكائن للدين، وعلى الثاني يوم الجزاء الثابت في الدين. وإذا أُريدَ بالطاعة في الأول الانقياد المطلق لظهوره ذلك اليوم


الصفحة التالية
Icon