فاستغرق الحمد الزمان كلَّه من الأزل إلى الأبد، ولم يترك منه شيئاً، فكان كقوله: ﴿لَهُ الحمد فِي الأولى والآخرة﴾ [القصص: ٧٠]. وشمل ذلك قوله: ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بالحق وَقِيلَ الحمد لِلَّهِ رَبِّ العالمين﴾ [الزمر: ٧٥]. وقوله: ﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين﴾ [يونس: ١٠]. فلم يترك شيئاً من الحمد إلا ذكره، ولم يترك وقتاً منذ الأزل إلى الأبد حيث لا ينقطع الزمن إلا استغرقه فكانت هذه السورة جديرة بأن تسمى أم الكتاب.
جاء في (التفسير القيم) :"في ذِكْرِ هذه الأسماء بعد الحمد، وإيقاع الحمد على مضمونها ومقتضاها ما يدل على أنه محمود في إلهيته، محمود في ربوبيته، محمود في رحمانيته، محمود في ملكه، وأنه إله محمود، ربٌّ محمود، ورحمن محمود وملك محمود".
﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾.
قدم مفعولي (نعبد) و (نستعين) لقصد الاختصاص، والمعنى، نَخُصُّكَ بالعبادة ونخصك بالاستعانة، فلا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك إذ لا تصح العبادة إلا لله، ولا تجوز الاستعانة إلا به، وهو نظير قوله تعالى: ﴿بَلِ الله فاعبد﴾ [الزمر: ٦٦]. وقوله: ﴿قُلْ أَفَغَيْرَ الله تأمروني أَعْبُدُ أَيُّهَا الجاهلون﴾ [الزمر: ٦٤].
وقوله: ﴿رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا﴾ [الممتحنة: ٤]. وقوله: ﴿عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ﴾ [هود: ٨٨]. وقوله: ﴿وَعَلَى الله فتوكلوا﴾ [المائدة: ٢٣].
ولو قيل: نعبدك ونستعينك، لم يُفِدْ نفيَ عبادتهم لغيره، ولا الاستعانة بغيره، وذلك نظير قولك: (أكرمتك) و (إياك أكرمت). فقولك: (أكرمتك)