الإسلامي ليس ديناً فردياً، بل هو دينٌ جماعي، وكثيرٌ من مظاهر الجماعية واضحٌ فيه كصلاة الجماعة وهي تَفضُلُ صلاةَ الفرد بسبعٍ وعشرينَ درجة، ولست المساجدُ إلا مظهراً من مظاهر الجماعية، وهذه السورة التي تَتَرَدَّدُ في كل ركعة من ركعات الصلاة فيها إشارة إلى أهمية الجماعة، بكلمة نعبد ونستعين واهدنا. والحج أكبر مظهر جماعي، والزكاة والصدقات من أكبر مظاهر التكافل الاجتماعي، والجهاد من شؤون الجماعة ويعلنه أمير المؤمنين، والصوم في الإسلام ليس عبادة فردية محضة بل هو عبادة جماعية، فتخصيصه بشهر معين يلتزم به كل المجتمع المسلم وليس كما يرغب الفرد، من أكبر مظاهر الجماعية، وتعيين الأعياد ووجوب الإفطار فيها فلا يشذ فرد واحد عن المجتمع من أكبر مظاهر الجماعية، وعيادة المرضى أمرٌ جماعي، وغير ذلك وغيره كل ذلك من مظاهر الجماعة.
جاء في (تفسير الرازي) :"إن المراد من هذه النون نون الجمع، وهو تنبيه على أن الأولى بالإنسان أن يؤدي الصلاة بالجماعة...
الوجه الثالث: إن المؤمنين إخوة، فلو قال: (إياك أعبد) لكان قد ذكر عبادة نفسه ولم يذكر عبادة غيره. أما لما قال: (إياك نعبد) كان قد ذكر عبادة نفسه وعبادة جميع المؤمنين، شرقاً وغرباً، فكأنه سعى في إصلاح مهمات المسلمين".
وجاء في (فتح القدير) :"والمجيء بالنون في الفعلين لقصد الإخبار من الداعي عن نفسه، وعن جنسه من العباد. وقيل: إن المقام لما كان عظيماً لم يستقلّ به الواحد استقصاراً لنفسه واستصغاراً لها، فالمجيء بالنون لقصد التواضع لا لتعظيم النفس".