وقرنت العبادة بالاستعانة ليدل على أن الإنسان لا يستطيع أن يقوم بعباة الله إلا بإعانة الله وتوفيقه، ولا ينهض بها إلا بالتوكل عليه، فهو إقرار بالعجز عن حمل هذه الأمانة الثقيلة، إذا لم يُعِنه الله على ذلك، فالاستعانة بالله علاجٌ لغرور الإنسان وكبريائه وهما داءان قتّالان "وليجمع بين ما يتقرب به العباد إلى ربهم وبين ما يطلبونه ويحتاجون إليه من جهته".
وقُدِّمت العبادةُ على الاستعانة لعدة وجوه منها:
إنَّ العبادة هي عِلَّةُ خَلْقِ الإنس والجن ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦]. وإنها الغايةُ من خَلْقهم، وإن الاستعانة إنما هي وسيلةٌ للقيام بها، فكانت العبادةُ أولى بالتقديم لأنَّ الغاية مقدمة على الوسيلة.
جاء في (روح المعاني) :"إنَّ العبادة واجبةٌ حتماً لا مناص للعباد من الإتيان بها حتى جعلت كالعلة لخلق الإنس والجن فكانت أحق بالتقديم".
وجاء في (التفسير القيم) :"إن تقديم العبادة على الاستعانة في الفاتحة من باب تقديم الغايات على الوسائل، إذ العبادة غاية العباد التي خُلِقُوا لها والاستعانة وسيلة إلَيْها".
ومنها: أن العبادة قَسْمُ الربِّ وحَقُّه، وأن الاستعانة مرادُ العبد، ومن الطبيعي أن يقدم العبد ما يستوجب رضا الرب ويستدعي إجابته قبل أن يطلب منه شيئاً وهو التذلل لله والخضوع بين يديه بالعبادة. فكان القيام بالعبادة مظنة استجابة طلب الاستعانة.