ومنها: أنه "ذكر توطئةً للدعاء في قوله: اهدنا".
ثم إنَّ الطلبَ من الحاضر أقوى من الطلب من الغائب.
"ومنها: أن الكلام من أول السورة إلى هنا ثناءٌ، والثناء في الغيبة أَوْلى، ومن هنا إلى الآخر دعاءٌ، وهو في الحضور أولى، والله تعالى حييٌّ كريم.
وقيل: "إنه لما كان الحمد لا يتفاوت غيبة وحضوراً، بل هو مع ملاحظة الغيبة أدخل وأتم، وكانت العبادة إنما يستحقها الحاضر الذي لا يغيب كما حكى سبحانه عن إبراهيم، عليه السلام ﴿فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفلين﴾ [الأنعام: ٧٦]. لا جَرمَ عَبَّرَ سبحانه وتعالى عن الحمد بطريق الغيبة وعنها بطريق الخطاب إعطاء لكلٍّ منهما ما يليقُ من النسق المستطاب".
وقيل غير ذلك، والله أعلم.
﴿اهدنا الصراط المستقيم﴾.
معنى الهداية الإرشاد والدلالة والتبيين والإلهام. وفعل الهداية قد يُعدَّى بنفسه نحو قوله تعالى: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السبيل إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً﴾ [الإنسان: ٣]. وقوله: ﴿وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً﴾ [الفتح: ٢]، وقد يُعدَّى بإلى كقوله: ﴿وَإِنَّكَ لتهدي إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: ٥٢]. وقوله: ﴿وَأَهْدِيَكَ إلى رَبِّكَ فتخشى﴾ [النازعات: ١٩]. وقد يعدى باللام كقوله: ﴿الحمد للَّهِ الذي هَدَانَا لهاذا﴾ [الأعراف: ٤٣].