ويبدو أن الهداية على مراتب، فالبعيدُ الضالُّ عن الطريق، يحتاج إلى هادٍ يدلّه على الطريق، ويوصله إليه، فهنا نستعمل (يهدي إلى) أي: يوصل إلى ويرشد إلى.
والذي يصل إلى الطريق يحتاج إلى هادٍ يعرّفه بأحوال الطريق ومراحلها، وما فيها من مخاوف وأماكن الهلكة والأمن ويعرّفه بما يحتاجه السالك في هذه الطريق، وهنا نستعمل (هداه الطريق).
أما اللام فإنها تستعمل في اللغة للتعليل، أي: لبيان الغاية من الحدث، وقد تستعمل لانتهاء الغاية أيضاً كأن تقول (جئتُ لطلبِ العلم) أي إنَّ طَلَبَ العلم غاية المجيء وعِلَّته، و (جئت للدار) بمعنى: جئت إليها.
وقد تستعمل اللام مع الهداية لبيان الغاية من الحدث، فسالك السبيل يريد الوصول إلى غاية وليس الطريق غاية في نفسه، فيؤتى باللام عند هذه الغاية فيقال: (هداه لكذا) أي: أبلغه لها، فكانت غاية سلوكه وسيره.
والإنسان محتاج إلى هذه الهدايات كلها، فإن ضلَّ احتاج من يهديه إلى الطريق، وإن وصل احتاج مَنْ يُعرّفهُ بالطريق، وإن سلك احتاج الوصول إلى الهدف، وألاّ ينقطع في الطريق، وإن قطع الطريق، احتاج إلى من يبلغه غايته، وأن ينيله مرامه ويهديه له.
وعند ذلك يقول كما قال أصحاب الجنة، بعد أن قطعوا الطريق وبلغوا مرادهم ﴿الحمد للَّهِ الذي هَدَانَا لهاذا﴾ [الأعراف: ٤٣]. أي: وفقنا لهذا في خاتمة المطاف، وهي خاتمة الهدايات.
ولذا لم نجد استعمال (هدى) مُعَدَّى باللام في القرآن الكريم مع السبيل أو الصراط فلا تجد مثل (هداه لصراط مستقيم) أو (هداه لسبيل مستبين) لأن الصراط ليس هو الغاية؛ بل هو طريقٌ يُوصِلُ إلى الغاية فهو