فقال: ﴿يَهْدِي بِهِ الله مَنِ اتبع رِضْوَانَهُ سُبُلَ السلام﴾ فَعدَّى الفِعْلَ بنفسه إلى ﴿سُبُلَ السلام﴾ ثم قال: ﴿وَيَهْدِيهِمْ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ فعدَّاه بالحرف (إلى) مما يدل على أنهما بمعنى واحد.
ونحو قوله: ﴿قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يهدي إِلَى الحق قُلِ الله يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يهدي إِلَى الحق أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يهدي إِلاَّ أَن يهدى﴾ [يونس: ٣٥].
فعداه مرة بإلى ومرة باللام فقال: ﴿قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يهدي إِلَى الحق﴾ فعدّاه بإلى ثم قال: ﴿قُلِ الله يَهْدِي لِلْحَقِّ﴾ فعداه باللام، ثم قال: ﴿أَفَمَن يهدي إِلَى الحق أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ﴾ فجعلها بمعنى واحد.
والحق أنها ليست بمعنى واحد، وأن هناك ما يقتضي هذا الاختلاف، فبالنسبة إلى الآية الأولى وهي قوله تعالى: ﴿يَهْدِي بِهِ الله مَنِ اتبع رِضْوَانَهُ سُبُلَ السلام وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ الظلمات إِلَى النور بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ فإن الذي اتَّبعَ رضوانَ الله ليس ضالاً ولا مبتعداً عن الصراط بل هو فيه، فهو محتاج إذن إلى مَنْ يهديه الطريق ويعرّفه إياه، وليس محتاجاً إلى من يوصله إليه، وأما الذي في الظلمات فيحتاج إلى من يخرجه منها ويدلّه على الطريق ويوصله إليه فهو ليس في الطريق الصحيح ولذا قال: ﴿وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ الظلمات إِلَى النور بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ أي: يوصلهم إليه.
فاقتضى كل موضع التعبير الذي ورد فيه.
فاقتضى الأمر بالنِّسبة إلى الآية الثانية، وهي قوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يهدي إِلَى الحق قُلِ الله يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يهدي إِلَى الحق أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يهدي إِلاَّ أَن يهدى﴾ [يونس: ٣٥]. فإن الشركاء لا يستطيعون الدلالة على الحق والإرشاد إليه أصلاً. ولكن الله يهدي إلى الحق وللحق، فالله يرشد إليه ثم