يوصلك إلى المنتهى ويُبلِّغك المراد فهو لا يكتفي بأن يقول لك إنّ الطريق من هنا بل يعرّفك به ويوصلك إلى طلبتك، إنك قد تسأل شخصاً عن الطريق فيرشدك إليه ويقول لك: الطريق من هنا، أو ذلك هو الطريق، ولكنه لا يعرف مراحل الطريق ولا يدري ما فيه بَلْه إيصالكَ إلى المنتهى وتنويلك المبتغى، فآلهتهم لا تهدي إلى الحق، أي: لا تُرشد إليه لأنها لا تعرف أين هو بَلْه التعريفَ به والإيصال إلى خاتمته لحين تنويل المراد.
إن الله سبحانه وتعالى لا يهدي إلى الحق فقط، بل يعرّفك إياه ويبيّنه لك، ويبلّغك إياه، وأما شركاؤهم فلا يدرون الحق أين هو؟ وفرقٌ بعيد بين الحالين فشركاؤهم لا يعرفون مبتدأ الطريق، والله يوصلك إلى الخاتمة ويبلغك المراد.
فالفرق واضح بين التعبيرين.
ونعود إلى قوله تعالى: ﴿اهدنا الصراط المستقيم﴾ فقد عَدَّى فِعْلَ الهداية بنفسه، ولم يُعَدِّهِ بالحرف وذلك ليجمع عدة معانٍ في آن واحد، ذلك أن التعديةَ من دون حرفٍ تُقالُ لمن يكون فيه ولمن لا يكون فيه، فهنا نطلب الهداية لمن كان في الطريق فيعرّفه به ويبصّره بشأنه، ولمن ضل وانحرف من المؤمنين عن الجادّة فيرده إلى الجادة فشمل القسمين.
ولما كان هؤلاء من الموحدين الحامدين لله كان المعنى علاوةً على ما مَرَّ طلب استمرار الهداية على الطريق المستقيم، والتثبيت على الهدى والزيادة فيه كما قال تعالى: ﴿والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى﴾ [محمد: ١٧]. "فإن العبد مفتقر في كل ساعة وحالة إلى الله تعالى في تثبيته على الهدى ورسوخه فيها، وتبصره وازدياده منها واستمراره عليها".