والتحقق بـ ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ علماً ومعرفة وعملاً وحالاً يتضمنُ الشفاءَ من مرضِ فساد القلب والقصد...
ثم إن القلب يعرض له مرضان عظيمان، إن لم يتداركهما تراميا به إلى التلف ولا بد، وهما: الرياء والكبر. فدواء الرياء بـ ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ ودواء الكبر بـ ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾...
فإذا عوفي من مرض الرياء بـ ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ ومن مرض الكبر والعجب بـ ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ومن مرض الجهل بـ ﴿اهدنا الصراط المستقيم﴾ عُوفيَ من أمراضه وأسقامه ورَفَلَ في أثواب العافية، وتمت عليه النعمة، وكان من المُنْعَم عليهم غير المغضوب عليهم، وهم أهل فساد القصد الذين عرفوا الحق وعدلوا عنه، والضالين، وهم أهل فساد العلم الذين جهلوا الحق ولم يعرفوه".
ثم لننظر من ناحية أخرى كيف قال: ﴿صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ فعبر عن المنعم عليهم بالفعل الماضي، ثم قال: ﴿غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِم وَلاَ الضآلين﴾ فعبر عنهم بالصورة الاسمية.
أما جعل فعل الإنعام فعلاً ماضياً فذلك ليتعيَّنَ زمانُه، وليبين أن المقصود صراط الذين ثَبتَ إنعامُ الله عليهم وتَحقَّقَ وهم الأنبياء والصِّدِّيقون والشهداء والصالحون كما قال تعالى: ﴿فأولائك مَعَ الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النبيين والصديقين والشهدآء والصالحين وَحَسُنَ أولائك رَفِيقاً﴾ [النساء: ٦٩].
ولو قال: (صراطَ الذين تُنعِمُ عليهم) لأغفلَ كُلَّ مَنْ مضى من رسل الله والصالحين، لأن الفعل المضارع أكثر ما يدل على الحال. بل لم يدل


الصفحة التالية
Icon