على أنه أنعم على أحدٍ فيما مضى، ونحو ذلك أن تقول: (أعطني ما أعطيتَ أمثالي) أو تقول: (أعطني ما تُعطي أمثالي) فإن العبارة الأولى تفيد أنه أعطى قبله من أعطى، وأما الثانية، فلا تفيد أنه أعطى أحداً من قبل، بل قد يكون ذلك العطاء ابتداء، ولاحتمل أن يكون صراط الأولين غير صراط الآخرين، ولم يُفِد التواصلَ بين زمر المؤمنين من لدن آدم عليه السلام، إلى قيام الساعة، ولم يفهم أن هذا الطريق، إنما هو طريقٌ مسلوكٌ سلكه من قبلنا الرسل وأتباعهم، ولكان صراط الذين ينعم عليهم، أقل شأناً من صراط الذين أنعم عليهم، لأن الذين أنعم الله عليهم، فيهم أولو العزم من الرسل، وفيهم الأنبياء وأتباعهم، وأما من ينعم عليهم بعد ذلك، فليس فيهم نبيٌّ ولا رسول.
ثم إن الإتيان بالفعل الماضي، يدل على أنه كلما مر الزمن كثر عددُ الذين أنعم الله عليهم، لأن الحاضر يلتحق بالماضي، وهكذا تتسع دائرة المنعَم عليهم بمرور الزمن بخلاف قولنا: (صراط الذين ينعم الله عليهم)، فقد يخص الوقت الذي طلب فيه الداعي الهداية، ولربما كان عدد المهديين آنذاك قليلاً.
فانظر الفرق بين قوله: (أنعمت عليهم) والقول: (تنعم عليهم).
وأما قوله: ﴿غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِم وَلاَ الضآلين﴾ بالاسم، فليشمل سائر الأزمنة.
فإن قلت: ولِمَ لمْ يقل: (صراط المنعَمِ عليهم) ليشمل سائر الأزمنة أيضاً؟
فالجواب: أن كل تعبير في مكانه أمثل وأحسن.
فلو قال: (المنعَم عليهم) لم يبيّن المُنعِم الذي أنعم عليهم، والنعمة إنما تقدر بقدر المنعِم، فإن كان المنعم صديقاً يختلف عما إذا كان أميراً أو


الصفحة التالية
Icon