سلطاناً، وذلك من حيث مقدار النعمة، ومن حيث التكريم لمن نالها، فإن كان المنعِم عظيماً عَظُمتْ نعمتهُ، وإن كان أدنى من ذلك كانت على قدر صاحبها، وكذلك من حيث التكريم، فالذي ينعم عليه السلطان غير الذي ينعم عليه أحد أفراد الرعية، فإن قولك: (فلان أنعم عليه الخليفة) فيه من التعظيم والتكريم ما ليس في قولك: فلان أنعم عليه رئيس البلدية أو المحافظ.
ففي قوله: ﴿أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ من التكريم وعظم النعمة ما ليس في (المنعَم عليهم).
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إن الله سبحانه ينسب الخير والفضل إلى نفسه، ولا ينسب إلى نفسه الشر والسوء، قال تعالى: ﴿وَأَنَّا لاَ ندري أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأرض أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً﴾ [الجن: ١٠]. فبنى الشرَّ للمجهول ونسبَ الخيرَ إلى ذاته الكريمة.
وقال: ﴿وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإنسان أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشر كَانَ يَئُوساً﴾ [الإسراء: ٨٣]. فنسب النعمة إلى نفسه ولم ينسب إلى نفسه الشر، فلم يقل: (وإذا مسسناه بالشر) كما قال صلى الله عليه وسلم: "والخيرُ كلُّه في يديك، والشر ليس إليك"
والنعمة تَفضُّلٌ وخير، فهو ينسبها إلى نفسه وليس أحدٌ مُولى نعمة على الحقيقة إلا الله كما قال: ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ الله﴾ [النحل: ٥٣].
ولذلك ينسب النعم كلها إلى نفسه، ولم يَرِدْ فِعْلُ النعمة مسنداً إلى غير الله في القرآن الكريم قال: ﴿قَدْ أَنْعَمَ الله عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً﴾ [النساء: ٧٢]. وقال: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ﴾ [القصص: ١٧]. وقال: ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ﴾ [الزخرف: ٥٩].