ولم يسند فعل النعمة إلى غير الله، إلا في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ تَقُولُ للذي أَنعَمَ الله عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ﴾ [الأحزاب: ٣٧]. فقد أسنده إلى الرسول ﷺ بعد أن أسنده إلى الله أولاً، وهي نعمةٌ خاصة أنعم بها رسول الله ﷺ على زيد بن حارثة الذي رباه، وجعله بمنزلة ابنه.
فنسبة النعمة والفضل إلى الله أمثلُ وأكمل.
وأما المغضوب عليهم، فقد بناه للمفعول ليعم الغضب عليهم: غضب الله، وغضب الغاضبين لله ولا يتخصص بغاضبٍ معين، فهم مغضوبٌ عليهم من كل الجهات. بل إن هؤلاء سيغضب عليهم أخلصُ أصدقائهم وأقرب المقربين إليهم، يوم ينقطع حبلُ كل مودّةٍ في الآخرة غير حبل المودّة في الله، وتنقطع كل العلائق غير العلائق في الله، كما قال تعالى: ﴿لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ [الأنعام: ٩٤]. وقال: ﴿ثُمَّ يَوْمَ القيامة يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً﴾ [العنكبوت: ٢٥]. فيغضب بعضهم على بعض ويتبرأ بعضهم من بعض حتى يتبرأ الإنسان من جلده وجوارحه التي تشهد عليه، فهم مغضوبٌ عليهم من كل شيء، ومن كل أحد.
فانظر هذا العموم في الغضب وهذا الإطلاق.
وقيل: "إنما بناه للمفعول لأن من طُلب منه الهداية ونُسب الإنعام إليه لا يناسبه نِسبةُ الغضب إليه، لأنه مقام تَلطُّفٍ وترَفُّقٍ وتذلل لطلب الإحسان، فلا يناسب مواجهته بوصف الانتقام وليكون المغضوب عليهم توطئةً لختم السورة بالضالين لعطف موصولٍ على موصول مثله لتوافق آخر الآي".
وجاء في (التفسير القيم) :"وأضاف النعمة إليه وحذف فاعل الغضب لوجوه:


الصفحة التالية
Icon