منها: أن النعمةَ هي الخير والفضل، والغضب من باب الانتقام، والعدل والرحمة تغلب الغضب فأضاف إلى نفسه أكملَ الأمرين وأسبقهما وأقواهما. وهذه طريقة القرآن في إسناد الخيرات والنعم إليه، وحذف الفاعل في مقابلتهما كقول مؤمني الجن: ﴿وَأَنَّا لاَ ندري أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأرض أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً﴾ [الجن: ١٠].
الوجه الثاني: إن الله سبحانه هو المُتفرد بالنعم: ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ الله﴾ [النحل: ٥٣]. فأضيف إليه ما هو متفرد به، وإن أضيف إلى غيره فلكونه طريقاً ومجرى للنعمة. وأما الغضب على أعدائه فلا يختص به تعالى، بل ملائكته وأنبياؤه ورسله وأولياؤه، يغضبون لغضبه، فكان في لفظة ﴿المغضوب عَلَيْهِم﴾ بموافقة أوليائه له من الدلالة على تفرده بالإنعام وأن النعمة المطلقة منه وحده، هو المتفرد بها ما ليس في لفظة (المنعم عليهم).
الوجه الثالث: إن في حذف فاعل الغضب من الإشعار بإهانة المغضوب عليه، وتحقيره وتصغير شأنه ما ليس في ذِكْرِ فاعلِ النعمة من إكرام المُنعَمِ عليه والإشادة بذكره، ورفع قدره ما ليس في حذفه. فإذا رأيتَ مَنْ قد أكرمه ملك وشَرَّفه ورفع قدره فقلت: هذا الذي أكرمه السلطان، وخلع عليه وأعطاه ما تمناه كان أبلغ في الثناء والتعظيم من قولك: هذا الذي أُكرم وخُلع عليه وشُرّف وأُعطي".
ثم انظر من ناحية أخرى، كيف جعل كُلاًّ من المغضوب عليهم والضالين اسماً، وذلك للدلالة على الثبوت، فيكون الغضب عليهم دائماً ثابتاً لا يزول واتصافهم بالضلال على وجه الثبوت أيضاً. فلا يُرْجى لهم خيرٌ ولا هدى، فلم يقل صراط الذين غُضب عليهم وضلوا فيجعل الغضب أو الضلال في زمنٍ دون زمن؛ بل إن هذا الوصف لازم لهم إلى يوم القيامة ثابت لا يزول فهم