مغضوب عليهم في الدنيا والآخرة، وضالون في الدنيا والآخرة كما قال تعالى: ﴿وَمَن كَانَ فِي هاذه أعمى فَهُوَ فِي الآخرة أعمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً﴾ [الإسراء: ٧٢].
ثم انظر كيف قال: ﴿غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِم وَلاَ الضآلين﴾ فذكر (لا) بينهما، ولم يقل (غير المغضوب عليهم والضالين) لئلا يُفْهَمَ أنَّ المباينة لمن جمع الغضب والضلال دون من لم يجمعهما، فإنه لو قال: (غير المغضوب عليهم والضالين) لتوهم أن المباينة لمن جمع الغضب والضلال. فلما ذكر (لا) جعل المباينة لكل صنف منهما. ونظير ذلك أن تقول: (أنا لا أحب مَنْ تكبر وبخل) أو (أنا لا أحب من تكبر ولا من بخل) فإن الجملة الأولى تحتمل أنه لا يحب هذين الصنفين، وتحتمل أنه لا يحب مَنْ جمع بين هذين الوصفين دون مَنْ لم يجمعهما، فمن تكبر ولم يبخل أو بخل ولم يتكبر، لم يكن داخلاً في الحكم بخلاف قولك: (أنا لا أحب من تكبر ولا من بخل) فإنك نَصصتَ فيه على أنك لا تحب مَن اتصف بأي صفة منهما.
جاء في (حاشية الجرجاني على الكشاف) :"لمَ دخلت (لا) في (ولا الضالين) ؟ سؤال الكشاف يعني أن (لا) المسماة بالمزيدة عند البصريين، إنما تقع بعد الواو العاطفة في سياق النّفي للتأكيد والتصريح بتعليق النفي بكل من المعطوف والمعطوف عليه كيلا يتوهم أن المنفي هو المجموع من حيث هو مجموع فيجوز حينئذٍ ثبوت أحدهما".
وقد تقول: ولمَ قدّم الغضبَ على الضلال، فقال: ﴿غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِم وَلاَ الضآلين﴾ ولِمَ لَمْ يقدم الضالين على المغضوب عليهم؟
والجواب إن المقام يقتضي تقديم المغضوب عليهم من أوجه: منها: أن المغضوب عليه أشد ضلالاً وجرماً وعقوبة لأنه علم وجحد، وليس من علم كمن لا يعلم، ولذا قيل: في العقائد: