وعالم بعلمه لم يَعْمَلَنْ معذّب من قَبْلِ عُبّاد الوثَنْ
فهو أولى بالسؤال والمباعدة عنه، فإنَّ الضالَّ إذا علم الحق، فربما اتبعه وربما خالفه فيكون من المغضوب عليهم.
ومنها: أنه جاء في الحديث الصحيح أن المغضوب عليهم اليهود والضالين النصارى. واليهود أسبق من النصارى فناسب أن يبدأ بهم.
ومنها: أن صفة المغضوب عليهم هي أول معصية ظهرت في الوجود وأقدمها على الإطلاق، وهي معصية إبليس، ذلك أنه كان عالماً بالحق عارفاً له، فعصى ربه وخالف أمره، فغضب الله عليه ولعنه، ثم قطع إبليس عهداً على نفسه أن يُضلَّ بني آدم فقال: ﴿وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ﴾ [النساء: ١١٩]. فناسب أن يبدأ بذكر أولى المعاصي على الإطلاق وأن يتبعها بما قطع إبليس على نفسه أن يفعله وهو الإضلال.
ومنها: أن هذه الصفة، أعني صفة المغضوب عليهم، هي أول معصية ظهرت على الأرض، وهي قتل ابن آدم أخاه، بعد أن قَرَّبا قرباناً، فتُقُبِّلَ من أحدهما ولم يُتَقَبَّلْ من الآخر، فقتله متعمداً ظالماً له.
وبذا تبين أن صفة المغضوب عليهم، هي أقدم صفة من صفات المعاصي، ظهرت في الوجود في الملأ الأعلى، وبعدها على الأرض، فناسبَ أن يبدأ بها.
ومنها: أن المغضوب عليه، يقابل المُنْعَم عليه، ولا يقابل الضال، فإنك تقول: (فلان أنعم عليه الخليفة، وفلان غضب عليه) ولا تقول: (فلان أنعم عليه الخليفة وفلان ضل). فناسب أن يضع بجنب الذين أنعم الله عليهم، المغضوب عليهم.
ومنها: أن المغضوب عليه، يقابل المُنْعَم عليه، ولا يقابل الضال، فإنك تقول: (فلان أنعم عليه الخليفة، وفلان غضب عليه) ولا تقول: (فلان أنعم عليه الخليفة وفلان ضل). فناسب أن يضع بجنب الذين أنعم الله عليهم، المغضوب عليهم.
ومنها: أن تقديم المغضوب عليهم، هو المناسب لِمُفْتَتَحِ السورة وما بعده، ذلك أن الحامد لله العارف بصفاته الخاصَّ إياهُ بالعبادة والاستعانة


الصفحة التالية
Icon