والرحمة ههنا، لأن السياق لا يمكن أن يقتضيهما، ولو فعل ذلك لكان نظير ما روي من أن: "بعض الأعراب سمع قارئاً يقرأ: والسارق والسارقة إلى آخرها، وختمها بقوله: (والله غفور رحيم) فقال: ما هذا كلام فصيح. فقيل له: ليس التلاوة كذلك، وإنما هي: ﴿والله عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ فقال: بَخٍ بخ عَزَّ فحكمَ فقطعَ".
هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، إنه ليس كل موطن تُذكر فيه المغفرةُ أو الرحمة، ينبغي أن تُختمَ الآيةُ بهما، وإنما يعود ذلك إلى الموطن والسياق.
ومن المعلوم أنه وردت في القرآن مواطن ذكرت فيها المغفرة والرحمة، ولم تختم الآيات بهما لأن الموطن لا يقتضي ذلك، بل يقتضي أمراً آخر يدل عليه السياق، وذلك نحو قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ واغفر لَنَا رَبَّنَآ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم﴾ [الممتحنة: ٥] فإنه لم يختم بالمغفرة مع أنه ورد طلب المغفرة، ذلك لأن مَدارَ الطلب في الآية هو أنْ لا يجعلهم فتنة للذين كفروا، وهو مَحطُّ الاهتمام كما هو واضحٌ من السياق، وذلك يقتضي الختم بالعزة والحكمة، كما هو ظاهر فختم بهما.
ونعود إلى سياق الآية التي هي مثار السؤال، فنقول: إن الآية وردت في سياق التبرؤ من قولٍ قالته طائفةٌ من النصارى ونسبته إلى عيسى عليه السلام، حكاه الله تعالى بقوله: {وَإِذْ قَالَ الله ياعيسى ابن مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني وَأُمِّيَ إلاهين مِن دُونِ الله قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ