ونشير إلى جانب لطيف آخر في الآية وهو قوله: ﴿إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ﴾، فإنه لم يقل (إن تعذبهم فإنهم أحقاء بذلك) أو (فذلك عدل) ذلك أن كونهم عبادة، معناه أنه المستحقُّ للعبادةِ دون غيره، وأنه الإله الحق. فمستحق العبادة مَنْ كان الخَلْقُ عباده دون مَنْ ليس له عباد. فإنه لو قال: (فإنهم أحقاء بذلك) أو قال: (فذلك عدل) لم يعن ذلك أنهم عباده. فالناسُ ليسوا عباداً لمن يعدل، كما أنهم إذا كانوا أحقاء بالعذاب، فليس معناه أنهم عباد لمن عذّب. فالذي يعذّب شخصاً أو جماعة لا يعني أن المعذبين عباده. فاختيار لفظ العبودية أنسب شيء في هذا المقام.
وفيه معنى آخر، وهو أنهم لما كانوا عباده، فليس هناك من معترض على ما يفعل بهم من تعذيب أو مغفرة، فالأمر كله إليه، ومتروك لمشيئته، ومناط بعزته وحكمته وحكمه، فإنه هو العزيز الحكيم.
وكذلك فعل سيدنا عيسى، عليه السلام، فقد أناط الأمرَ بعزته وحكمته وحكمه وفَوَّضَهُ إليه.
وانظر من ناحية أخرى إلى الضمير (أنت) وتعريف ﴿العزيز الحكيم﴾ للدلالة على توكيد الحكم، وقصر العزة والحكمة عليه والكمال فيما وصف به، فإنه في الحقيقة لا عزيزَ، ولا حكيمَ ولا حاكم سواه. فإنه لم يقل: (فإنك عزيز حكيم) ذلك أن هذا التعبير لا يفيد قَصْرَ الصفتين عليه - سبحانه - ولا كمالهما فيه. فإنك إذا قلت لأحد: (إنك كريم سمح) فلا يفيد ذلك قصر الصفتين عليه؛ بل يفيد إثبات الوصفين له بخلاف ما إذا قلت (إنك أنت الكريم السمح)، فإنَّ ذلك يفيد القصر أو الكمال فيما وصفت. فقوله: ﴿فَإِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم﴾ يفيد قصر هذين الوصفين عليه، وكمالهما فيه دون غيره بمعنى: إنه لا عزيزَ ولا حكيم على وجه الكمال والحقيقة سواك.
وهذا التعبير أولى في هذا الموطن، لأنه في موطن نفي الألوهية عن غير الله وإثباتها له، فهو المتفرد بذاته وصفاته لا يشاركه ولا يشابهه فيهما أحد.