٥- أظهر التعبير أن حالة الخوف والوجل في آيات الحجر، أكثر مما هي في آيات الذاريات.
فإنه واجه ضيفه بالخوفِ منهم، في سورة (الحجر) بالجملة الاسمية المؤكدة بـ (إن)، وجاء مع ذلك بالصفة المشبهة (وَجِلُون) الدالة على شدة الخوف، ثم أخرجه مخرج العموم والشمول لأهل البيت أجمعين، فذكره بصورة الجمع: ﴿إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ﴾. في حين ذكر ذلك في (الذاريات) بالجملة الفعلية غير المؤكدة، فقال: ﴿فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً﴾ وذكره بصورة الإفراد.
ولا شك أن الحالة النفسية لسيدنا إبراهيم، عليه السلام، وما صَرَّحَ به من شدة الفزع، جعلت المقام لا يتناسب هو وذكر التكريم فإن التكريم يحتاج إلى انشراح نفسي وانفتاح، وهو غير موجود في آيات (الحجر)، بل إن كل تعبير فيها يدل على القلق وعدم الارتياح.
فناسبَ كُلُّ تعبيرٍ موطِنَهُ.
٦- ولما واجههم بالخوف منهم والوجل في سورة (الحجر) واجهوه بالبشرى، فإنه لما قال لهم: ﴿إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ﴾ قالوا له: ﴿إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ﴾. ولما لم يواجههم بذلك في سورة الذاريات، بل ذكره بصيغة الغيبة: ﴿فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً﴾ لم يواجههوه بالبشرى بل وردت بصغية الغيبة أيضاً (وبشروه) فكان التعبير في المواطنين على النحو الآتي:
الحجر: إنا منكم وجلون... إنا نبشرك بغلام عليم
الذاريات: فأوجس منهم خيفة... وبشروه بغلام عليم
فناسب كل تعبير موطنه وسياقه.


الصفحة التالية
Icon