٧- لما ذكر الوجل منهم بالصيغة الاسمية في سورة الحجر: ﴿إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ﴾ بشروه بالجملة الاسمية أيضاً ﴿إِنَّا نُبَشِّرُكَ﴾.
ولما ذكر الخوف منهم بالصيغة الفعلية في سورة الذاريات: ﴿فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً﴾ بشروه بالصيغة الفعلية أيضاً: ﴿وَبَشَّرُوهُ﴾.
٨- قال في آيات الذاريات: ﴿فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً﴾ بتقديم (منهم) على (خيفة). وهذا التقديم، يفيد الاختصاص والحصر، أي: أن الخوف كان منهم لا من غيرهم، ولو قال: (فأوجس خيفة منهم) لكان أخبر أنه خاف منهم، ولم يخبر أنه لم يخف من غيرهم، بل ربما كان ثمة خوف منهم، ولم يخبر أنه لم يخف من غيرهم، بل ربما كان ثمة خوف آخر من غيرهم، فإن التعبير الوارد في الآية جعل الضيف وحدهم سببَ الخوف وقصرَ ذلك عليهم. وأما التعبير الآخر، أعني: (فأوجس خيفة منهم) فلا يقصر الخوف عليهم، بل ربما كان هناك سبب آخر معهم وهذا نظير قولك: (بكَ وثقتُ) و (وثقتُ بكَ) فإن الجملة الأولى أخبرتَ بها أنك قصرتَ الثقةَ على المخاطب ولم تثق بأحدٍ آخر. أما الجملة الثانية فإنها تفيد أنك وثقت به ولم تُفِدْ أنك قصرتَ الثقة عليه، بل قد تكون وثقت بغيره أيضاً. ومما يوضح ذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ الرحمان آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا﴾ [الملك: ٢٩]، فقد أخر الجار والمجرور (به) عن الفعل (آمنا) وقدم الجار والمجرور (عليه) على الفعل (توكلنا).
ذلك أن "الإيمان لمَّا لم يكن منحصراً في الإيمان بالله؛ بل لا بد معه من رُسُله وملائكته وكتبه واليوم الآخر وغيره مما يتوقَّفُ صحةُ الإيمان عليه، بخلاف التوكل فإنه لا يكون إلا على الله وحده لتفرُّدِه بالقدرة والعلم القديمين الباقيين قَدَّمَ الجارَّ والمجرور فيه ليؤذنَ باختصاص التوكل من