القصص لم يدعه يقطع بالأمر فإن الخائف لا يستطيع القطع بما سيفعل بخلاف الآمن. ولما لم يذكر الخوف في سورة النمل بناه على الوثوق والقطع بالأمر.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إن ما ذكره في النمل هو المناسب لمقام التكريم لموسى بخلاف ما في القصص.
ومن ناحية ثالثة، إن كل تعبير مناسبٌ لجو السورة الذي وردت فيه القصة، ذلك أن الترجي من سمات سورة القصص والقطع من سمات سورة النمل. فقد جاء في سورة القصص قوله تعالى: ﴿عسى أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً﴾ وهو ترجٍّ. وقال: ﴿عسى ربي أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ السبيل﴾. وهو تَرَجٍّ أيضاً. وقال: ﴿لعلي آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ﴾، وقال: ﴿لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾، وقال: ﴿لعلي أَطَّلِعُ إلى إلاه موسى﴾، وقال: ﴿لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾، ثلاث مرات في الآيات ٤٣، ٤٦، ٥١، وقال: ﴿فعسى أَن يَكُونَ مِنَ المفلحين﴾، وقال: ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾، وهذا كله ترجٍّ. وذلك في عشرة مواطن في حين لم يَرِد الترجي في سورة النمل إلا في موطنين وهما قوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾، وقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.
وقد تردد القطع واليقين في سورة النمل، من ذلك قوله تعالى على لسان الهدهد: ﴿أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾، وقوله على لسان العفريت لسيدنا سليمان: ﴿أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ﴾. وقوله على لسان الذي عنده علم من الكتاب: ﴿أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾.
فانظر كيف ناسب الترجي ما ورد في القصص، وناسب القطع واليقين ما ورد في النمل.


الصفحة التالية
Icon