قال الراغب الأصفهاني مفرقاً بين الإتيان والمجيء: "الإتيان مجيءٌ بسهولة، ومنه قيل للسيل المار على وجهه أتي". وقال: "المجيء كالإتيان، لكن المجيء أعم، لأن الإتيان مجيءٌ بسهولة".
ولم يذكر أهل المعجمات ما ذكره الراغب، وإنما هم يفسرون واحداً بالآخر، فيفسرون جاء بأتى، وأتى بجاء، غير أنهم يذكرون في بعض تصريفات (أتى) ما يدلُّ على السهولة، فيقولون مثلاً في تفسير الطريق الميتاء من (أتى) "طريق مسلوك يسلكه كل أحد" وذلك لسهولته ويسره. ويقولون: "كل سيل سهلته لماء، أتيّ" و "أتّوا جداولها: سهلوا طرق المياه إليها" يقال: (أتّيت الماء) إذا أصلحت مجراه حتى يجري إلى مقارّه... ويقال: أتّيت للسيل، فأنا أؤتّيه إذا سهلت سبيله من موضع إلى موضع ليخرج إليه... وأتّيت الماء تأتيةٌ وتأتّياً، أي: سَهَّلتُ سبيله ليخرج إلى موضع".
والذي استبان لي أن القرآن الكريم، يستعملُ المجيءَ لما فيه صعوبةٌ ومشقة، أو لما هو صعب وأشق مما تُستعمل له (أتى) فهو يقول مثلاً: ﴿فَإِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التنور﴾ [المؤمنون: ٢٧]، وذلك لأنّ المجيء فيه مشقة وشدة. وقال: ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ﴾ [ق: ١٩]. وقال ﴿لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً﴾ [الكهف: ٧١]. وقال: ﴿لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً﴾ [الكهف: ٧٤]. وقال: ﴿قَالُواْ يامريم لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً﴾ [مريم: ٢٧]. وقال: ﴿وَقَالُواْ اتخذ الرحمان وَلَداً * لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً * تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرض وَتَخِرُّ الجبال هَدّاً﴾ [مريم: ٨٨-٩٠]. وقال: {وَقُلْ جَآءَ الحق وَزَهَقَ الباطل إِنَّ


الصفحة التالية
Icon