يوسف: ﴿جَآءَهُمْ نَصْرُنَا﴾ وفي آية الأنعام: ﴿أَتَاهُمْ نَصْرُنَا﴾ ومن الواضح أن الحالة الأولى أشق وأصعب وذلك أن الرُّسُلَ بلغوا درجة الاستيئاس وهي أبعدُ وأبلغ، وذهب بهم الظن إلى أنهم كُذبوا، أي: أن الله سبحانه وتعالى كذبهم ولم يصدُقهم فيما وَعَدَهم به وهذا أبلغ درجات اليأس وأبعدها وعند ذاك جاءهم نصره سبحانه فنجّي من شاء وعوقب المجرمون.
في حين ذكر في الآية الأخرى أنهم كُذّبوا، أي: كذبهم الكافرون، وأُوذوا فصبروا. وفرقٌ بعيد بعيد بين الحالتين، فلقد يكذَّب الرسلُ وأتباعهم ويؤذَون ولكن الوصول إلى درجة اليأس والظن بالله الظنون البعيدة أمرٌ كبير.
ثم انظر إلى خاتمة الآيتين تر الفرق واضحاً، فما ذكره من نجاة للمؤمنين ونزول اليأس على الكافرين في آية يوسف مما لا تجده في آية الأنعام يدلك على الفرق بينهما.
ومن ذلك قوله تعالى: ﴿كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ العذاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ * فَأَذَاقَهُمُ الله الخزي فِي الحياة الدنيا وَلَعَذَابُ الآخرة أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: ٢٥-٢٦].
وقوله: ﴿قَدْ مَكَرَ الذين مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى الله بُنْيَانَهُمْ مِّنَ القواعد فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السقف مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ العذاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ * ثُمَّ يَوْمَ القيامة يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الذين كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الذين أُوتُواْ العلم إِنَّ الخزي اليوم والسواء عَلَى الكافرين﴾ [النحل: ٢٦-٢٧].
فقال في الآيتين: ﴿وَأَتَاهُمُ العذاب﴾ في حين قال: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ العذاب وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * يَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بالكافرين * يَوْمَ يَغْشَاهُمُ العذاب مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيِقُولُ ذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [العنكبوت: ٥٣-٥٥].


الصفحة التالية
Icon