ـ لتحصنكم : في (وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من باسكم) الأنبياء ٨٠، قرئ بالتاء والياء، والتاء قراءة حفص(١)عودا على صنعة أو معنى لبوس، لأن معناه الدرع.
وبعد هذا العرض لظاهرة (تنوع الفاعل المضمر) تبين أن قراءة حفص :
ـ أولا: جمعت بين الضمائر الثلاثة، ودلالة التنوع بلاغية تتمثل في مظهرين: أحدهما اتحاد السياق، وهذا يعنى مجئ الكلام على نسق واحد في الآية التي تحمل فعلا تنوعت قراءته، وقد جاء في قراءة حفص موافقا لما قبله أو ما بعده من الأفعال من حيث ضمير الفاعل. أما الآخر فهو الالتفات، وهذا يعنى أن الفعل الذي تنوعت قراءته قد جاء في قراءة حفص مخالفا لما قبله أو ما بعده من حيث الفاعل المضمر، والالتفات من محاسن الكلام؛ حيث يؤدي إلى تنوع الأسلوب، والتنوع أحسن تطرية وتجديدا لنشاط السامع وأكثر إيقاظا للإصغاء إليه من إجرائه على أسلوب واحد(٢)، إضافة إلى هذا فإن المخالفة بين الضمائر يمكن أن تكون مجالا خصبا لدلالات متعددة تتوقف على صياغة النص، ولعل تلك الدلالات كانت مما توخاه عبد القاهر من نظرية النظم التي سبق بها دعاة النظريات اللغوية الحديثة في تحليل النص، وربما يستوقفنا هذا الأمر لننوه إلى ضرورة درس النص القرآني درسا لغويا مستعينا بنظرية النظم، مفيدا من معطيات النظريات اللغوية الحديثة كالبنيوية والأسلوبية؛ لمزيد من فهم أسراره.
ـ ثانيا : في ظاهرة التذكير والتأنيث لمس الباحث أنه حينما يتنازع فاعلان أحدهما مذكر والأخر مؤنث على الفعل فإن قراءة حفص تؤثر الأقوى، وهو المذكر.
النصب بعامل مقدر :
(٢) اللغة وبناء الشعر ٢٣ هامش.