ساعدت قراءة حفص على تأكيد القاعدة التي تجيز النصب على جواب الاستفهام بالفاء سواء الاستفهام عن الحكم أو المسند إليه الحكم، وكذا التي تجيز النصب بالفاء على جواب الترجي. وجمعت بين الضمائر الثلاثة للفاعل المضمر، ودلالة التنوع بلاغية تتمثل في مظهرين: الأول هو اتحاد السياق، وهذا يعنى مجئ الكلام على نسق واحد في الآية التي تجعل فعلا تنوعت قراءته وقد جاء في قراءة حفص موافقا لما قبله أو ما بعده من الأفعال من حيث ضمير الفاعل. والثاني: الالتفات، وهذا يعنى أن الفعل الذي تنوعت قراءته قد جاء في قراءة حفص مخالفا لما قبله أو ما بعده من حيث الفاعل المضمر، والالتفات من محاسن الكلام ؛ حيث يؤدي إلى تنوع الأسلوب، والتنوع أحسن تطرية وتجديدا لنشاط السامع وأكثر أيقاظا للإصغاء إليه من إجرائه عل أسلوب واحد، إضافة إلى هذا فإن المخالفة بين الضمائر يمكن أن تكون مجالا خصبا لدلالات متعددة تتوقف على صياغة النص، وربما كانت تلك الدلالات مما توخاه عبد القاهر من نظرية النظم التي سبق بها دعاة النظريات اللغوية الحديثة التي تحلل النص تحليلا أسلوبيا، وهنا ننوّه إلى ضرورة درس النص القرآني ـ لمزيد من فهمه ـ درسا لغويا مستعينا بنظرية النظم مع الإفادة من معطيات النظريات اللغوية الحديثة.
وفي ظاهرة التذكير والتأنيث انتهى الباحث إلى أنه حينما يتنازع فاعلان أحدهما مذكر والآخر مؤنث على الفعل فإن قراءة حفص تؤثر الأقوى، وهو المذكر.
وفي الكلمات التي قرئت بالنصب والرفع آثرت قراءة حفص النصب، والعامل فيه مقدر، وهو في الغالب (فعل)، والمنصوب مفعول، والنصب هنا له أثر على التركيب، فبينما دلالة الرفع أن الجملة اسمية (مبتدأ وخبر) تفيد دلالة النصب أن الجملة فعلية (فعل وفاعل ومفعول)، والفتح أخف من الضم، ولعله أحد مظاهر الخفة التي اتسمت بها لغة الحجاز التي تمثلها قراءة حفص.
الفصل الثاني
الجملة الاسمية دراسة في الحركة والتركيب