وبناء على مسبق يري الباحث أن لغة القرآن ليست قاصرة على لهجة قريش، وإنما لغته هي لغة أدبية نموذجية تمَكّن بها العرب في جاهليتهم من الحديث بعضهم إلى بعض، وهي لغة منتقاة من فصحي لهجات العرب جميعا، ولا تعود إلى قبيلة واحدة. ولعل حديثا لأبي شامة يؤكد هذا الرأي يقول فيه: "القرآن العربي فيه من جميع لغات العرب؛ لأنه أنزل عليهم كافة، وأبيح لهم أن يقرأوه على لغاتهم المختلفة، فاختلفت القراءات فيه لذلك"(١). ويقول أحد الباحثين :"إنه يوجد في القرآن أكثر من خمسمائة جذر لغوي يعود إلى لغات متباينة متناثرة"(٢). ويعتقد الباحث أن هذه اللغة الأدبية الراقية النموذجية آلت إلى قريش فاحتضنتها؛ لكونها مركزا للجزيرة العربية.
السماع والمشافهة أساس قبول القراءة :
ثبت أن عثمان كتب ثمانية مصاحف وأرسلها إلى الأمصار الإسلامية، ومع كل مصحف أرسل مقرئا يقرئ الناس؛ ليستمر السماع والمشافهة هما الأساس لقبول القراءة واعتمادها ؛ ومن ثم لم يعتمد المسلمون قط على خط المصحف.
وكان ممن أرسلهم عثمان إلى الأمصار أبو عبد الرحمن السلمي وزر بن حبيش، حيث أرسلهما إلى الكوفة، وعلى أيديهما تلقّي أهل الكوفة قراءاتهم.
وفي آخر عصر التابعين تجردت طائفة للقراءة والإقراء؛ حيث اعتنوا كثيرا بضبط التلاوة والأداء؛ فصاروا في ذلك أئمة يقتدي بهم ويرحل إليهم، ويؤخذ عنهم، فنسبت القراءة إليهم، وهم أبو جعفر ونافع في المدينة وابن كثير في مكة وابن عامر في الشام وأبوعمرو ويعقوب في البصرة وعاصم وحمزة والكسائي في الكوفة(٣).
هل بين المصاحف العثمانية اختلاف؟!
(٢) انظر: دراسة في اللهجات ١٤
(٣) انظر: النشر ١/٨