هذا تساؤل ربما يثير الدهشة لو كانت الإجابة بالإثبات! ولكن هذا ما تبيّن للباحث؛ حيث ثبت ثبوتا لاشك فيه أن بين المصاحف العثمانية اختلافا سمح باستيعاب القراءات المتواترة التي أقرّها عثمان، ويبدو هذا الاختلاف في المواضع التي لا يحتملها الخط، أعني بذلك مواضع الزيادة والحذف والتغيير، ومن ذلك قوله تعالي: (فتوكل) بالفاء، (وتوكل) بالواو، و(فإن الله هو الغني)، (فإن الله الغني) بإثبات الضمير وحذفه، ويبدو أن علماءنا السالفين قد لحظوا هذا الاختلاف؛ فألفوا في ذلك مؤلفات، منها (اختلاف مصاحف أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة) للكسائي(١).
ولعل هذا لا يخالف قول د. عبد الصبور شاهين: "كل قراءة صحيحة لابد أن تتفق مع الرسم، فالرسم يسعها جميعا، وما لم يسعه فهو شاذ، لا يؤخذ به لا قراءة ولا احتجاجا"(٢)، فلعل مقصده من الرسم الجنس لا التوحيد، أي رسم جميع المصاحف الثمانية، وإلا فهذا القول مخالف لما انتهي إليه الباحث، ومن ثم فماذا يقول ـ مثلا ـ في قراءة حفص: (عملته) في سورة يس ٣٥، حيث قرأها بالهاء، وهي من غير هاء في مصاحف الكوفة، وعليه قراءة الكوفيين سوي حفص؟!
ولعل ابن الجزري قد أشار إلى هذا الاختلاف حينما أرسي شروط قبول القراءة؛ فذكر عبارة (موافقة أحد المصاحف العثمانية) ولم يقل: "موافقة المصحف العثماني".
شروط قبول القراءة بين المناقشة والتحليل :
لعل من نافلة القول أن ابن مجاهد هو أول من أرسي مقياسا لقبول القراءة وكان مقياسه يتركز علي (صحة السند ومطابقة الرسم وموافقة العربية)(٣)، وهذا المقياس من وجهة نظر الباحث كان ضيقا لا يستوعب القراءات المتواترة كلها؛ ولعل هذا ما جعل القراءات المتواترة لديه سبعا فحسب، تلك التي ألّف فيها كتابه.
(٢) انظر: الأصوات في قراءة أبي عمرو ٤٣٦
(٣) انظر: الفتاوى ١٣/٣٩٠، ومنجد المقرنين ٢٨، ومقدمة السبعة ١٩.