ومن ثم فالباحث يرى أن القراءات التي نعتت بالشذوذ لم تنعت بذلك لضعف رواياتها أو لأنها تشتمل على ظواهر لهجية شاذة في اللسان العربي، وإنما لأنها خرجت عن سبعة ابن مجاهد، وربما تنبه ابن الجزرى إلى ضيق هذا المقياس، فتوسع فيه، ونلمس هذا التوسع في قوله: (كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا، وصح سندها، فهى القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردّها، بل هي من الأحرف السبعة ويجب على الناس قبولها، سواء كانت عن السبعة أو عن العشرة أو عن غيرهم"(١)؛ ومن ثم أضاف ابن الجزرى ثلاث قراءات أخرى هى: قراءة أبي جعفر وقراءة يعقوب وقراءة خلف.
وللباحث وقفة مع هذه الشروط للمناقشة والتحليل.
ـ صحة السند :
أشار الباحث سلفا إلى أن السماع والمشافهة هما الأساس في قبول القراءة، ولم يعتمد المسلمون على الرسم قط، ويؤكد هذا ما روى عن أبى عمرو أنه قال: "لولا أنه ليس لي أن أقرا إلا بما قد قرئ لقرأت حرف كذا وكذا"، وسأله الأصمعي عن آيتين متماثلتين في الخط (وتركنا عليه) ١٠٨ و(وبركنا عليه) ١١٣ من سورة الصافات كيف يُعرف نطقهما؟ فقال: ما يعرف ذلك إلا أن يسمع من المشايخ الأولين"(٢).
ويقول أبو عمرو الدانى: "وأئمة القراءة لا تعمل فى شئ من حروف القرآن على الأفشى فى اللغة والأقيس في العربية، بل على الأثبت في الأثر والأصح فى النقل، والرواية إذا ثبتت عندهم لا يردها قياس عربية ولا فشو لغة؛ لأن القراءة سنة متبعة، يلزم قبولها والمصير إليها"(٣).
ـ موافقة الرسم ولو احتمالا(٤):

(١) انظر: النشر ١/٩.
(٢) انظر: السبعة ٤٨
(٣) انظر: النشر ١/١٠
(٤) المقصود بالرسم رسم أحد المصاحف العثمانية


الصفحة التالية
Icon