هذا شرط لقبول القراءة، فإذا ما خرجت عنه فهى شاذة، والرسم قد امتاز بميزتين جعلتاه يستوعب القراءات المقبولة كلها: إحداهما خلوه من النقط والأخرى خلوه من الشكل ـ أى الضبط الحركي ـ فضلا عن تناوب الألف والواو في الكتابة حينا وحذف الألف حينا آخر مثل (أصلوتك) و(ثمرت)، فهاتان الكلمتان يقرآن بالإفراد والجمع.
وربما ساعد ذلك بعض المستشرقين وغيرهم أن يُرجعوا تعدد القراءات واختلافها إلى طبيعة الرسم زاعمين أنها ليست من التشريع في شئ؛ هدفا إلى ضرب السنة، يقول الألماني جولد زيهر: "وترجع نشأة جزء كبير من هذه الاختلافات إلى خصوصية الخط العربي الذي يقدم هيكله المرسوم مقادير صوتية مختلفة تبعا لاختلاف النقاط الموضوعة فوق هذا الهيكل أو تحته وعدد تلك النقاط وكذلك اختلاف الحركات، فكانا السبب الأول في نشأة حركة اختلاف القراءات"(١).
ولا شك أن هذا رأي واهٍ؛ إذ لم يعتمد المسلمون قط على الخط، بل كانوا شديدي الحرص أن يكون سبيلهم إلى قبول القراءة سماعها، وكانوا يقفون بالمرصاد ضد من يشذ عن مقياسهم، ولعل موقفهم من ابن مقسم النحوي(٢)خير دليل على ذلك، فهذا العالم النحوي قد قرأ القرآن بحروف تخالف السند؛ اعتمادا على أنها لها وجه في العربية، ومن الكلمات التي قرأها مخالفا السند كلمة (نجيا) من قوله تعالى في سورة يوسف: (فلما استيئوا منه خلصوا نجيا)؛ إذ قرأها (نجبا) بالباء(٣)، وقد وصفه الرافعى بقوله: "فإن هذا الأحمق بقراءته هذه قد أزالها عن أحسن وجوه البيان العربي"(٤). وكان جزاء هذه القراءة أن استدعاه الحاكم وأدبه استتابةً، فتاب ورجع.
(٢) توفي ٣٥٥ هـ
(٣) انظر: لسان الميزان ٥/١٣٠ وبغية الوعاة ١/٨٩ وأنباه الرواة ٣/١٠٠ والفهرست ٤٩ ومعجم الأدباء ١٨/١٥٠ وكشف الظنون ١/١٥ وطبقات القراء ٢/١٢٣ والنشر ١/١٧
(٤) انظر: تاريخ آداب العرب ٢/٥٧