وإذا كان ثمة حاقدون، فإن هنالك المنصفين، ومنهم الطبيب الفرنسي (موريس بوكاى)، يقول: "لقد تمت عملية تحقيق النص بمنتهى الدقة؛ وذلك لضمان انتشار النص في نقائه الأصلي"، ثم يؤكد: "أن الخط والسياق يحتمل أكثر من قراءة في آيات كثيرة، ومع ذلك لم يقرأ بذلك القراء"(١).
وهذا الرأي الحق يفاد منه معنى جميل يماثل قول ابن تيمية: "إنه لم يكن الاعتماد على الرسم إطلاقا، وإنما كان الاعتماد على السماع والمشافهة"(٢).
ـ موافقة العربية ولو بوجه :
اختلف النحاة في نظرتهم للقرآن وقراءاته، فمنهم من نظر للنص أيا كانت القراءة بوصفه نصا مقدسا حُجّةً على العربية، ولعل معظم أولئك من الكوفيين(٣)، وآخرون أخضعوا النص للقواعد المستقاة من كلام العرب؛ مما حدا بهم إلى وصف بعض القراءات بالخطأ، وتنكروا لبعض القراء، وكان معظم هؤلاء من البصريين(٤).
ولعل حديثا للسيوطى يشير إلى ذلك، يقول فيه: "كان قوم من النحاة المتقدمين يعيبون على عاصم وحمزة وابن عامر قراءات بعيدة في العربية، وينسبونهم إلى اللحن، وهم مخطئون في ذلك؛ فإن قراءاتهم ثابتة بالأسانيد المتواترة الصحيحة التي لا مطعن فيها، وثبوت ذلك دليل على جوازه في العربية، وقد رد المتأخرون كابن مالك على من عاب عليهم بأبلغ ردّ، واختار جواز ما وردت به قراءاتهم في العربية"(٥).
(٢) انظر: الفتاوى ١٣/٤٠٠
(٣) انظر: لعل ذلك راجع إلى أن المدرسة الكوفية تمتثل المنهج الوصفي إذ يقدمون النص على القاعدة
(٤) نهج المدرسة البصرية تقديم القاعدة على النص إذا كانت القاعدة تمثل قطاعا كبيرا من لهجات العرب أو اعتمدت على القياس، وهذا ما يسمى حديثا بالمنهج المعياري، وهو منهج غير مقبول مع النص القرآني، فمنهج الكوفيين هنا أصلح شأنا.
(٥) انظر: الاقتراح في علم أصول النحو ٤٩