ـ ترتيبه عند ابن مجاهد الخامس، وهذه المنزلة لا تنقص من قراءته، بل لا تعطي لسابقيه أفضلية، فربما جاء هذا الترتيب على أساس أن ابن مجاهد أراد أن يبدأ سبعته بأهل الحرمين تعظيما لمولد النبي - ﷺ - ومهجره، ثم اختار أبا عمرو؛ لانفراده في البصرة وكذلك ابن عامر إلا أنه قدم الأول ـ ربما ـ لأنه لغوي نحوي، وأرجأ عاصما؛ ليكون خامسهم؛ لأنه كوفي، والكوفة تحفل بثلاثة من القراء: عاصم وحمزة والكساني، والأخير متأخر، فأراد أن يجمع بينهم، فلعل هذا هو السبب في إرجاء عاصم إلى المرتبة الخامسة.
ـ يشكّك الباحث في الرواية المنسوبة لابن حنبل: (أحب القراءات إلي قراءة أهل المدينة، فإن لم تكن فقراءة عاصم)؛ لأنها تفضي بنا إلى المفاضلة بين القراءات، والمفاضلة يفاد منها الاجتهاد فيما لا يجوز فيه الاجتهاد، ومن ثم يكاد الباحث يستبعد أن تنسب هذه المقالة لابن حنبل العالم الفقيه، ولعل استبعاد هذه الرواية يؤكد صحة الرواية الأخرى (أهل الكوفة يختارون قراءته وأنا أختارها).
هذا.. وقد لمس الباحث أن فريقا من العلماء قد نهجوا نهج المفاضلة بين القراءات، ولعل من أولئك الفراء ـ في معانيه ـ وقد تأثر به الطبري؛ حيث نجده في تفسيره يقول: (وهذه القراءة أحب إلى) و(أعجب القراءتين إلىّ قراءةُ)، وسوف يشير الباحث إلى ذلك في مواضعه من البحث.
كذلك الأمر بالنسبة للطنافسي البغدادي، إذ ينقل عنه ابن الجزرى أنه قال: "من أراد أفصح القراءات فعليه بقراءة عاصم، ومن أراد أحسن القراءات فعليه بقراءة أبي عمرو، ومن أراد الأصل فعليه بقراءة ابن كثير"(١).
وعلى الشاكلة نفسها مكي بن أبي طالب، إذ يقول: "أصح القراءات سندا نافع وعاصم، وأفصحها أبو عمرو والكسائي"(٢)، وهذه المفاضلة تتضح كثيرا في كتابه الكشف، وسيذكر الباحث نماذج من ذلك في غير موضع من البحث.

(١) انظر: طبقات القراء ١/٧٥
(٢) انظر: فتح الباري ٩/٣٢


الصفحة التالية
Icon