والانسجام الصوتي ـ أو المماثلة الصوتية ـ مظهر من مظاهر التخفيف والتسهيل في الكلام، اتسمت به بعض القبائل العربية؛ ربما كان معظمها من قبائل شرق الجزيرة، تلك القبائل البدوية ؛ لأن البدوي بطبعه يميل إلى الاقتصاد في المجهود العضلي عند النطق، أما القبائل المتحضرة المتمثلة في قبائل غرب الجزيرة فقد حافظت على الأصل في النطق؛ لأنها تميل إلى التأني والهدوء في النطق(١)، والدليل على ذلك كسر هاء ضمير الغائب بعد ياء أو كسرة، فقد قيل: إن الضم الأصل، والكسر جاء اتباعا، والضم لغة الحجاز(٢)....
ويرى الباحث أنه لا تفاضل بين اللغتين، فكلتاهما سمة يوسم بها ناطقوها وهي فصيحة لديهم، وبهما نزل القرآن، وقد سجلتهما لنا قراءة حفص، غير أن السيطرة كانت للغة الانسجام، فكل مواضع هذا الضمير في كل القرآن قد جاءت على لغة الانسجام إلا في موضعين هما: (أنسانيه إلا) الكهف ٦٣ و(عليه الله) الفتح ١٠، حيث قرأهما حفص بالضم.
هذا.. وثمة كلمات كثيرة قد جاءت على لغة الانسجام في قراءة حفص، وأخرى قد جاءت على الأصل، ويسوق الباحث نماذج من هذه، وأخرى من تلك.
أولا : ما على الانسجام :
من الكلمات التي حدث فيها انسجام أو تماثل أو مماثلة :

(١) انظر: اللهجات العربية في التراث ١/٩٨ ويرى الباحث أن هذا الحكم ليس بوصف عام، فثمة ظواهر، مالت فيها القبائل المتحضرة إلى التخفيف، على حين حافظت القبائل البدوية على الأصل في النطق، ومن ذلك تحقيق الهمز وتخفيفه.
(٢) انظر: الكتاب ٤/١٩٥ وحجة أبي على ١/٤٦ وحجة ابن خالويه ٦٣ والمقتضب ١/٣٩٩ والمحتسب ١/٤٤ والتسهيل ٢٤ وإبراز المعاني ٧٣ والهمع ١/٥٨ وهذا لا يخالف ما ذكره أنيس (في اللهجات العربية ٩١) من أن الضم للبدو والكسر للحضر، إذ هذا بمثابة قانون عام شذت عنه ظواهر؛ منها هذه الظاهرة.


الصفحة التالية
Icon