والباحث يرجح رأي القرطبي ـ ومن ماثله الرأي ـ حيث أن الدرس الصوتي الحديث يؤكد سلامة رأيه، فكسر الهاء والخاء جاء نتيجة التماثل الرجعي ؛ حيث أثرت حركة الدال والصاد على حركة الهاء والخاء ؛ فتماثلت كسرة مثلها.
كذلك من الكلمات التي خالف شكلها بنيتها نتيجة الانسجام أو التماثل الصوتي: (عتيا وصليا وجثيا) من الآيات ٨ و٧٠ و ٧٢ من سورة مريم، حيث قرئت هذه الكلمات بكسر الأول وضمه. والكسر قراءة حفص(١)، والضم هو الأصل، والكسر جاء اتباعا(٢)؛ ليكون عمل اللسان من وجه واحد؛ لأن اسم الفاعل من "عتيا وجثيا" عاتو وجاثو ـ بكسر العين ـ إذ إنه من يعنو ويجثو، ثم انقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، كما قالوا: غاز والأصل: غازو؛ لأنه من (يغزو)، فأصبح اسم الفاعل الواحد "عاتٍ وجاثٍ وصالٍ" فجاء الجمع على وزن فعول تاليا للواحد، فصار "جثى وعتى وصلى" فكسرت عين فعول لكسرة الياء، ثم كسر الأول اتباعا له(٣)، وذكر القرطبى أن الأصل الضم؛ لأن المصدر "عتوا" من ذوات الواو، من: (عتا يعتو عتوا)، فأبدلوا الواو ياء؛ لأنها أختها وأخف(٤). وقيل: الضم والكسر لغتان(٥).
ولا خلاف بين آراء العلماء، فالأصل الضم؛ لأنه فعول، وقلبت الواو ياء؛ لثقل الواو وخفة الياء؛ ولتناسب الكسرة قبلها، ثم قلبت ضمة الفاء كسرة؛ تماثلا مع الياء بعدها. ولم يكن هذا قانونا عاما في كل القبائل العربية، وإنما كان خاصا ببعض القبائل دون بعض، فثمة قبائل تستعمل الأصل، وأخرى تميل للانسجام تخفيفا، فأصبح الانسجام لغة ثانية، ومن ثم فالانسجام مظهر من مظاهر التطور اللغوى نحو التخفيف.
ثانيا : ما جاء على الأصل :
يعرض الباحث لمجموعة من الكلمات التى جاءت على أصل بنيتها فى اللغة:
(٢) انظر: المنصف ٢/١٢٣، والكشف ٢/٨٤
(٣) انظر: حجة ابن خالويه ٢٣٥، والكشف ٢/٨٤
(٤) انظر: الجامع ٥/٤١٢٢
(٥) انظر: المرجع السابق