الفتح والإمالة لغتان فاشيتان في اللهجات العربية، وبهما نزل القرآن ؛ حيث جمع بينهما على مختلف قراءاته، أما لغة الفتح فقد كان لها القسط الأكبر من قراءات القراء، وأما لغة الإمالة فكل القراء أمالوا وإن تفاوتت الإمالة بينهم قلة وكثرة سوي ابن كثير المكي(١)، وأكثر القراء إمالة قراء الكوفة، ويجدر بالباحث هنا أن يشير إلى رأي إبراهيم أنيس في سبب ذلك؛ إذ يري أن انتشار ظاهرة الإمالة في قراءات أهل الكوفة يرجع إلى أن الكوفة كانت مهبط القبائل البدوية التي اشتهرت فيها الإمالة(٢)وهذا سبب مقنع، غير أنه يثير تساؤلا: إذا كان هذا هو السبب فلماذا لم تنتشر الإمالة في قراءة حفص وهو كوفي؟! وهذا مما دفع الباحث إلى القول بأن انتشار الإمالة في قراءات أهل الكوفة يرجع ـ في المقام الأول ـ إلى السند المتواتر المعتمد على السماع والمشافهة؛ إذ إن قراء الكوفة إلا حفصا قد تلقوا قراءاتهم عن زر بن حبيش الأسدي عن ابن مسعود الهذلي، وقبيلتا أسد وهذيل من القبائل المميلة(٣)، أما حفص فقد تلقي قراءته عن عاصم عن أبى عبد الرحمن السلمي عن على بن أبي طالب، وهؤلاء حجازيو القراءة(٤)ومن ثم اشتهرت قراءة حفص بالفتح ـ لغة الحجاز الأولى ـ ولم يمل فيما اشتهر عنه إلا في موضع واحد(٥).
(٢) انظر : في اللهجات العربية ٦٠
(٣) انظر : المستوي اللغوي للفصحي ٧٢، ولغة هذيل ٧١
(٤) راجع : المبحث الثاني من التمهيد
(٥) هذا الموضع في كلمة " مجراها " آيه ٤١ سورة هود، انظر الإتقان ١/٩٢