ولغة الحجاز مشهور عنها الفتح، غير أنها تميل قليلا، ولعل إمالة مجراها في قراءة حفص من ذلك القليل، فهذه الإمالة للأثر(١)، وليست بدعا من حفص إنما هي متواترة عن عاصم عن أبي عبد الرحمن عن على بن أبي طالب(٢)، ومن ثم يخالف الباحث الرأي القائل بأن حفصا من عادته مخالفة أصلة في بعض الكلمات ومن تلك الكلمات التي خالف فيها أصله إمالة مجراها(٣).
وبالرغم من تأكيد العلماء على أن حفصا لم يمل إلا مجراها فإن د/عبد الفتاح شلبي ينقل لنا عن أبي عمرو الداني في كتابه (الموضح)(٤)أن حفصا روى عن عاصم إمالة كلمات كثيرة منها: التوراة وبشري وأناة وأراكم وغيرها.
وهذا الأمر يثير تساؤلا: كيف تكثر الإمالة عن حفص وقراءته حجازية، وابن كثير لم يمل إطلاقا وقراءته حجازية؟!
من ناحية أخرى فإن الداني المنقول عنه النص ـ في كتاب آخرله هو التيسير ـ يذهب مذهب غيره، فيذكر أن حفصا لم يمل إلا مجراها(٥)؛ ومن ثم فكيف نقبل نصا انفرد به الداني ـ فيما نعلم ـ ونسلم بصحته، وقد أكد العلماء على خلافه، بل خالفه صاحبه في مؤلف آخر؟!
وبعد هذا العرض ينتهي الباحث إلى أن الفتح والإمالة لغتان فاشيتان في اللهجات العربية، والفتح لغة قبائل غرب الجزيرة، قبائل الحجاز، ثم أضافت إليها الإمالة كلغة ثانية، والإمالة لغة قبائل شرق الجزيرة، وبهما نزل القرآن، وجمع بينهما ؛ ليؤكد احترام كل لغات القبائل، وأن ثمة توافقا وتداخلا بين قبائل شطري الجزيرة، خلافا لما زعمه المستشرقون.
الهمز تحقيقا وتسهيلا :

(١) انظر : الإتحاف ١/٣٩٧
(٢) انظر : جمال القراء ٢/٤٩٨
(٣) انظر : إبراز المعاني ٣٣٠ و ٣٣١
(٤) لم يعثر الباحث على هذا الكتاب، ومن ثم اعتمد على ما نقله د. عبد الفتاح شلبي في كتابه: الإمالة في اللهجات والقراءات ١٢٠
(٥) المرجع السابق ١١٨


الصفحة التالية
Icon