بدءا يشير الباحث إلى أنه لن يتحدث عن هذه الظاهرة بوصفها ظاهرة صوتية، إنما يقتصر فحسب عما يمتّ إليها بصلة بالجانب الصرفي؛ حيث يعرض للكلمات التي يؤدي فيها تحقيق الهمز أو تركه إلى اختلاف صرفي دلالي إلا أن هذا لا يمنع أن يشير إشارة موجزة إلى انتشار الظاهرة في الجزيرة العربية بين القبائل.
لقد اختلفت القبائل العربية في تحقيق الهمز وتسهيله في بعض الكلمات، ويبدو هذا واضحا في لغة القبائل الحجازية لاسيما قريش، ولغة القبائل البدوية وبخاصة تميم؛ فبينما حرصت الأخيرة على الهمز مالت الأولى إلى التسهيل أو ترك الهمز(١). والهمز هو الأصل(٢)؛ ومن ثم فهو اللغة الأولى، وتركه لغة ثانية، ويعده الباحث مظهرا من مظاهر التطور اللغوي نحو التخفيف، ويري الباحث أن ميل القبائل المتحضرة المتمثلة في قبائل غرب الجزيرة وتتمركزها قريش إلى الهمز راجع إلى اختصار عدد المقاطع الصوتية وانتقال موضع النبر؛ فمثلا كلمة (سأل) تتكون من ثلاثة مقاطع من النوع القصير، والنبر في هذه الحالة على المقطع الثالث من الآخر (س : ص ح)، فإذا ما خفّفنا الهمز اختصرت المقاطع الثلاثة إلى مقطعين: متوسط مفتوح وقصير، وانتقل موضع النبر إلى المقطع قبل الأخير (سا : ص م).
واللغة الأدبية النموذجية تميل إلى تحقيق الهمز، وهي اللغة الفاشية(٣)، وقد اتسمت بها قراءة حفص؛ الأمر الذي يؤكد لنا شيوع هذه السمة في لغة الحجاز. ومن ثم يري الباحث أن الهمز هو اللغة الأولى وأن التسهيل لغة ثانية، لجأت إليه قبائل الحجاز تخفيفا؛ ليتواءم مع تحضرها.
(٢) مما يؤكد أن الهمز هو الأصل في اللغة العربية أصالته في اللغات السامية؛ يقول أحد الباحثين: "إذا نظرنا إلى اللغات السامية نجد أن الهمز هو الأصل؛ إذ يمثل طورا أذهب في القدم من طور التسهيل". انظر: في الأصوات اللغوية دراسة في أصوات المد ١٧٩
(٣) انظر : الإتحاف ٢/٥٦٠