والإثبات لغة الحجاز وهو الأصل، والحذف لغة مشهورة للعرب؛ يقولون: جاءنى القاض ومررت بالقاض، فيحذفونها لسكونها ودلالة الكسرة عليها(١)وقد نسب البنا الدمياطى الحذف لقبيلة هذيل(٢)، وكون الإثبات لغة الحجاز يفيد أن اللغة الحجازية كانت تتعلق بالصيغة كاملة ومن ثم نخالف (برجشتراسر) في قوله: "إن الكسرة الممدودة الانتهائية كانت تقصر في لهجة الحجاز"(٣)، وهو يعنى بالكسرة الممدودة ياء المد وعلل د/الجندى ميل الحجازيين إلى الإتيان بالصيغة وافية أنهم أهل حضر، والحضرى غالبا ما يعنى بتحسين النطق حتى ينال ما يشتهى من طموح ومركز اجتماعى ؛ لهذا يعمد إلى وضوح الكلام وحسن الأداء(٤). أما حذف الياء فقد اختلف في تعليله العلماء؛ فبينما ذهب البصريون إلى أنه ضرورة، واستشهدوا بهذا الشاهد:
كفاك كف ما تليق درهما جودا وأخرى تعط بالسيف الدما
ذهب الكوفيون إلى أن الحذف لغة(٥).
ويرى الباحث أن رأى البصريين أن صح في الشعر إلا أنه يدفعه أن ليس في القرآن ضرورة، وهذا لا يعنى تأييد الرأي الآخر، فكلاهما قابل للمناقشة، ويرى أن الحذف ربما يرجع إلى علة صوتية تتمثل في الإيقاع والانسجام الصوتي بين الكلمات داخل الآيات والتوافق الموسيقى بين الفواصل، ولعل هذا يبدو جليا في الآيات الأُوَل من سورة الفجر: "والفجر. وليال عشر. والشفع والوتر. والليل إذا يسر.." فالفواصل كلها تسير على نغمة موسيقية واحدة تبرز في أن الكلمات تحمل مقطعا صوتيا واحدا من النوع الطويل المغلق بصامتين.
(٢) انظر : الإتحاف ١/٣٤٥.
(٣) انظر : التطور النحوي ٦٨.
(٤) انظر : اللهجات العربية في التراث ٦٨٤.
(٥) انظر : جامع البيان ١٥/٤٧٩. والبحر ٥/٢٦٢. والشاهد من الرجز وهو موثق في جامع البيان