ولا خلاف أن القراءات الثلاث لغات في التضييق وقلة الإنفاق(١)، ولعل الضم لغة قبائل شرق الجزيرة؛ لأنه قراءة الكوفيين، والكسر لغة قبائل غرب الجزيرة؛ لأنه قراءة أهل الحجاز، بيد أن قراءة حفص حجازية؛ وهذا يعني أن الضم لغة حجازية.
ومن ثم يرجح الباحث أن الضم اللغة الأولي في كل القبائل، وقد حافظت عليه لغة البدو، أما القبائل المتحضرة فقد مالت نحو التخفيف، فعدلت إلى لغة الكسر؛ وكأن الكسر هنا مظهر من مظاهر التطور اللغوي نحو التخفيف.
ـ يعزب : يونس٦١، وسبا٣، إذ قرئ بضم الزاي وبكسرها، والضم قراءة حفص(٢)، وهما لغتان بمعني يبعد ويغيب(٣)، ويرجح الباحث أن الضم لغة الحجاز؛ لأنه قراءة حفص وأهل الحرمين، والكسر لغة القبائل البدوية؛ لأنه قراءة الكسانى. وربما في هذا مخالفة للقانون الذي نسب الضم للبدو والكسر للحضر.
ـ فاء الأمر فتحا وضما :
١ـ فتحا :
ثمة أفعال تنوعت قراءتها ما بين فتح فأنها وضمها وكسرها، وقد احتفظت لنا قراءة حفص صورة الفتح، منها:
ـ قرن : في قوله تعالى: (وقرن في بيوتكن) الأحزاب ٣٣، قرئ هذا الفعل بفتح القاف وبكسرها، والفتح قراءة حفص(٤). والاختلاف الصرفي هنا له أثر دلالي، فالكسر يعني أن الفعل من الوقار، والفتح من الاستقرار في المكان(٥)، وأصل الفتح من قر يقر بالفتح؛ فالأمر: اقررن، ثم حذفت الراء وألقيت حركتها على القاف(٦)فمضارعه مفتوح العين وهو لغة الحجاز(٧). ويعتقد الباحث أن الفتح أقرب كثيرا إلى الدلالة المرجوة من الآية؛ حيث أمرن بالاستقرار في البيوت.
(٢) السبعة ٣٢٨، والعنوان ١٠٥، والنشر ٢/٢٨٥، والإتحاف ٢/١١٦.
(٣) حجة ابن خالويه ١٨٢، وجامع البيان ١٥/١٦.
(٤) السبعة ٥٢١، والعنوان ١٥٥، والنشر ٢/٣٤٨، والإتحاف ٢/٣٧٥.
(٥) حجة ابن خالويه ٢٩٠، والكشف ٢/١٩٧، والبحر ٧/٢٣٠.
(٦) انظر: الجامع ٦/٥٢٦٠
(٧) انظر: المصدر السابق.