وهذا يعني أن قراءة حفص راوحت بين الإدغام وفك الإدغام، وهذا يعني أنها راودت بين لغة القبائل الحجازية غرب الجزيرة ولغة القبائل البدوية شرق الجزيرة؛ أي بين لغتي الحجاز وتميم، وإن كانت الكثرة للغة الحجاز، حيث ثمة أفعال كثيرة على شاكلة (يرتدد) مثل: (لا تقصص) يوسف ٥ و(اغضض) لقمان ١٩.
وإن كانت السيطرة في هذه الظاهرة للغة الحجاز فإن ثمة ظواهر كثيرة نعتت بها لغة تميم، منها صيغتا (برئ وبراء)، فالأولى لغة تميم والأخرى لغة الحجاز، والأولى وردت في حوالي عشرة مواضع في حين أن الثانية وردت مرة واحدة، وهذا يدل على أن لهجة تميم لها مكانتها إبان نزول الوحي؛ حتى إن القرآن سجل لها تلك السمات اللهجية، وهذا يومئ إلى غاية سياسية قصد إليها، وهي توحيد العرب، وكأني بالقرآن صفحة لغوية تجد فيها كل قبيلة ظلا من لغتها الخاصة، فتأنس به، وتستريح إليه(١).
من ناحية أخرى فإن الباحث قد قرر فيما سلف أن قراءة حفص حجازية، ومن ثم فإن كل الظواهر التي احتضنتها هذه القراءة ظواهر استخدمتها لغة الحجاز- سواء أقل استخدامها أم كثر.
وعلى هذا فإن ظاهرتي الإظهار والإدغام سمتان لغويتان شاعتا ـ بصورة ما ـ في البيئة الحجازية، ولعل الإظهار يمثل اللغة الأولى أو الأصل، والإدغام لغة ثانية؛ لجأت إليه القبائل تخفيفا، ومن ثم فهو أحد مظاهر التخفيف.
٤ـ تخفيف بالحذف :
كذلك من سبيل التخفيف التي لجأت إليها القبائل العربية التخفيف بالحذف، أي حذف أحد الأصوات المماثلة، وهذا المظهر يعد آخر مظاهر التطور اللغوي نحو التخفيف، ويبرز هذا المظهر في قراءة حفص بصورة واضحة، في صيغتي (تفعّل وتفاعل) حال كون الفعل مضارعا مبدوءا بتاء الخطاب، وهذا يعني أنه يبدأ بصوتين متماثلين (تاء المضارع وتاء الفعل).
ويعرض الباحث عدة نماذج من الأفعال التي تمثل هذه الظاهرة في قراءة حفص :

(١) انظر : المعجم المفهرس ١١٧ واللهجات العربية في التراث ٢/٥٩٥.


الصفحة التالية
Icon