والباحث يزعم أن الضم والكسر والفتح كل منها يمثل مرحلة مرت بها القبائل كلها، وربما كان الضم يمثل المرحلة الأولى، ثم جاء الكسر مرحلة ثانية، ثم جاء الفتح يمثل المرحلة الثالثة، وكل من الكسر والفتح مظهر من مظاهر التخفيف في اللغة العربية، ويمكن أن ننسب الضم للقبائل الموغلة في البداوة، والكسر لغة القبائل البدوية القريبة من الحضر، والفتح لغة القبائل الحجازية المتحضرة.
ـ أف : الإسراء٢٣ والأنبياء ٦٧ والأحقاف ١٧، قرئ بكسر الفاء منونة وبكسرها من غير تنوين وبفتحها من غير تنوين، والأولى قراءة حفص(١).
وكل القراءات لغات في اسم الفعل، والتنوين بالكسر يعنى الإخبار عن نكرة، ومعناه فلا تقل لهما القبيح(٢). وقد حكم النحاة عليه بالبناء على السكون في كل الحالات
وإنما حرك لالتقاء الساكنين، وقد رفض أبو حيان هذا الحكم العام، وقال: وكان قياسه ألا يبنى(٣)، ولعل هذا القول اعتمد عليه أحد الباحثين في قوله: "وهذا مثال للاضطراب الذي وقع فيه النحاة، إذ كيف تكون الكلمة منونة ويحكم عليها بالبناء؟"(٤)؛ ثم يقول: "إن الأفضل أن يحكم للمنون منها بالإعراب، وغير المنون بالبناء، حسب النطق لا الأصل، ومن ثم فكسر (أف) بالتنوين في القرآن حركة إعراب لا بناء"(٥).
والباحث لا يسلم بهذا الرأي؛ لأن حركة الإعراب تقتضي للكلمة موقعا إعرابيا، وموقعها هنا النصب مفعول القول، ويرى أن الكسر بالتنوين ربما يكون لغة، لجأ إليها أصحابها؛ هروبا من توالي مقطعين قصيرين، حيث جاء بعد (أف) مقطع قصير في المواضع الثلاثة، وهو لغة الحجاز؛ لأنه قراءة المدنيين وحفص.
تعليق عام :
(٢) حجة ابن خالويه ٢١٥.
(٣) البحر ٦/٢٣
(٤) التعريف والتنكير ٢١٨
(٥) المرجع السابق ٢١٩