بعد العرض الموجز لـ(الضبط الحركي لبنية الفعل) تبين للباحث أن قراءة حفص تمثل مستويات عدة للفصاحة؛ حيث حفظت اللغة الأولي (الأصل) واللغة الثانية التي عدها الباحث مظهرا من مظاهر التخفيف واللغة الثالثة التي تركبت من لغتين، كذلك انتهي الباحث إلى أن كل الظواهر اللغوية التي برزت في قراءة حفص ظواهر شاعت في اللغة الحجازية بصرف النظر عن إسناد العلماء كل ظاهرة لقبيلة ما، فكون قراءة حفص تحفظ لنا ظاهرة ما يعني شيوع الظاهرة في لغة الحجاز؛ لأن قراءة حفص حجازية استنادا إلى السند المتواتر. وربما يُعين هذا على تفسير مقولة سيدنا عثمان: "إذا اختلفتم في شي فاكتبوه بلسان قريش؛ فإنه نزل بلسانهم".
ومن خلال العرض الموجز لظاهرتي التشديد والتخفيف تبين للباحث أن الظاهرتين شائعتان في اللهجات العربية شيوعا بارزا، والتشديد يعني الزيادة في حروف الكلمة على حروفها الأصلية، سواء أكانت هذه الزيادة بتضعيف عين الكلمة أو بتكرار أصوات مماثلة، فإذا ما جردت الكلمة من أي زائد صارت مخففة، بل إذا تغير شكل الكلمة دون حذف الزائد فهو شكل من أشكال التخفيف، ومن ثم رأي الباحث أن ثمة مظاهر أربعة للتخفيف، وارتاي ترتيبها على هذا النحو: تخفيف بالإبدال وتخفيف بالتجرد وتخفيف بالادغام وتخفيف بالحذف.
وتبين أن التشديد سمة من سمات القبائل البدوية شرق الجزيرة ووسطها، وتتمركزها قبيلة تميم شهرة؛ وذلك لما في طبعها من جفاء وغلظة، وبهذا يتميز نطقهم بسلسلة من الأصوات القوية السريعة التي تطرق الآذان، وفيهم نزل قوله تعالى: "إن الذين ينادونك من وراء الحجرات اكثرهم لا يعقلون"، ودعاهم القرآن إلى خفض الصوت في قوله: "واغضض من صوتك".


الصفحة التالية
Icon