لعل من نافلة القول أن الفتح أخف الأصوات نطقا وأوفر اقتصادا في الجهد العضلي، بل ربما يكون الفتح أخف من السكون الذي غالبا ما يلجأ العربي إليه للتخفيف، ولعل حديثا قصيرا لأبي عمرو مع الأصمعي يؤكد هذا الرأي، نقله لنا ابن خالويه، يقول: "سأل الأصمعي أبا عمرو: لم لا تقرأ رغبا ورهبا بالإسكان مع ميلك للتخفيف؟ فقال له: ويلك أحمْل (بالإسكان) أخف من حمَل (بالفتح)؟"(١).
ويقول إبراهيم مصطفى(٢): "والفتحة الحركة الخفيفة المستحبة عند العرب التي يراد أن تنتهي بها الكلمة كلما أمكن ذلك، فهي بمثابة السكون في لغة العامة ".
فإذا ما انتهينا إلى أن الفتح أخف الأصوات القصيرة، تأكد لنا أن أهل الحجاز أصحاب تخفيف؛ لأنهم جنحوا إلى الفتح كثيرا؛ وربما يرجع سبب هذا إلى أنهم أهل حضر ورقي يتسمون بالخفة والرقة، في أن حين الجفاء والغلظة والشدة سمات لغة القبائل البدوية، وقد نجد في هذا وذاك شذوذا يتبين لنا من خلال عرض النماذج من قراءة حفص :
ـ ربوة : البقرة ٢٦٥ والمؤمنون٥٠، حيث قرئ بالفتح وبالضم، والفتح قراءة حفص(٣)وهما لغتان بمعنى ما ارتفع من الأرض وعلا(٤)، وقد نسب البنا الدمياطي الضم للغة قريش(٥)، وهذا يدفع إلى القول بأن اللغة الحجازية استعملت اللغتين، الضم لهجتها الخاصة، والفتح لغة ثانية؛ لجأت إليه اللغة الحجازية تخفيفا، وعليه قراءة حفص.
(٢) انظر : إحياء النحو ٥٠، ٧٨
(٣) السبعة ١٩٠، والعنوان ٧٥، والنشر ٢/٢٣٢، والإتحاف ١/٤٥٢.
(٤) حجة ابن خالويه ١٠٢ وجامع البيان ٥/٥٣٦ والكشف ١/٣١٣ والجامع ٢/١١٢٤
(٥) انظر: الإتحاف ١/٤٥٢