والباحث يميل إلى رأي مكي وأبي حيان في وجود فرق دلالي نتيجة تناوب الحركات، ولعل صادق ما يدلك على ذلك أنهم اتفقوا على الضم في قوله: (ليتخذ بعضهم بعضا سخريا)(١)، كما أنه لا يؤيد ابن عطية في رأيه؛ لأن كلتا القراءتين متواترة عن رسول الله - ﷺ -، كذلك يرجح أن لغة الحجاز قد استخدمت اللغتين معا؛ لأن الضم قراءة أهل المدينة، والكسر قراءة حفص، ولعل الضم سابق الكسر.
٣ـ حركة الضم :
ذكر الباحث فيما سلف أن الضم سمة القبائل الموغلة في البداوة ؛ لأن الضم مظهر من مظاهر الخشونة والشدة التي هي سمة البدو، فإذا ما ضمت القبائل البدوية كسرت القبائل الحجازية(٢). ولكن يبدو أن هذا القانون له شذوذ؛ حيث إننا نجد أن الضم سمة للقبائل الحجازية، والكسر سمة القبائل الأخرى، ودليل ذلك النماذج التي يعرض لها الباحث من خلال قراءة حفص :
ـ خفية: الأنعام٦٣ والأعراف٥٥، حيث قرئ بالضم والكسر، والضم قراءة حفص(٣)، وهما لغتان فصيحتان(٤)، ولم يشر العلماء ـ فيما أعلم ـ إلى قبائل اللغتين، غير أن الباحث يرجح أن الضم لغة الحجاز؛ لأنه قراءة أهل الحرمين وحفص، والكسر لغة قبائل شرق الجزيرة ؛ لأنه قراءة أبي بكر.

(١) الرسم في هذه الكلمة يحتمل أكثر من قراءة، وعلى الرغم من ذلك فلم يختلف فيها القراء؛ مما يؤكد أن تعدد القراءات وتنوعها نتيجة السماع والمشافهة فحسب.
(٢) في اللهجات العربية ٩١
(٣) السبعة ٢٥٩، والنشر ٢/٢٥٩
(٤) حجة ابن خالويه ١٤١، والجامع ٣/٢٤٤٤، والبحر ٤/١٥٠


الصفحة التالية
Icon