لعل من نافلة القول أنه يثقل على اللسان توالي حركتين، لاسيما الضمتان أو الكسرتان، ولما كانت لغتنا العربية تميل إلى الخفة فإن العرب كان سبيلهم إلى ذلك الإسكان بحذف الحركة، فيخف اللفظ، ويصبح مستساغا بعد أن كان ثقيلا، ومن ثم فالإسكان وسيلة إلى التخفيف.
وربما كان هذا هو تعليل القدماء لظاهرة الإسكان، وهو تعليل مقبول، ويضيف الباحث تفسيرا آخر أفاده من معطيات الدرس الحديث، حيث يرى أن الأصل في الكلمة الثلاثية التحريك، بمعنى أن الكلمة تتكون من ثلاثة مقاطع من النوع القصير، واللغة العربية لا تستسيغ توالى ثلاثة مقاطع قصيرة(١)؛ لأنها تمثل عنصر قلق وتوتر وإجهاد؛ بسبب وقعها السريع نتيجة قصر الفترة الزمنية التي يستغرقها نطقها، فتخلصت اللغة في بعض الكلمات من هذا التوالي غير المستساغ بأن أسكنت عين الكلمة، وبالتالي اختصرت مقاطعها الثلاثة إلى مقطعين أولهما متوسط مغلق والثاني قصير، وربما دفع هذا التفسير الباحث إلى القول بأن التحريك إيثار للمقاطع المفتوحة Open Syllables في حين أن الإسكان يعدا إيثار للمقاطع المغلقة Close Syllables.
وربما رجع إسكان المتحرك إلى انتقال موضع النبر، إذ إن كل كلمة ثلاثية الحروف تتكون من ثلاثة مقاطع قصيرة، يكون النبر فيها على المقطع الثالث من الآخر، فإذا ما سكنت عينها انتقل النبر إلى المقطع قبل الأخير.
موقف قراءة حفص من هذه الظاهرة :
في البداية سؤال: هل إسكان المتحرك لغة جميع القبائل أو لغة قبائل شرق الجزيرة أو لغة قبائل غرب الجزيرة؟ والباحث لا يستطيع أن يبدي رأيا إلا بعد عرض عدة نماذج من قراءة حفص، إذ جمعت بين اللغتين :
أولا : التحريك والبدء بمقطع مفتوح :

(١) انظر : الأصوات اللغوية ١٦٥، والمنهج الصوتي ١٨٥


الصفحة التالية
Icon