ويري الباحث أنه لا خلاف بين الآراء، فالأصل الضم وهو اللغة الأولى، وقد شاع في كل اللهجات العربية شرقا وغربا؛ حيث إنه قراءة ابن كثير وأبي جعفر ـ وهي قراءة تتسم بالسمات اللغوية الحجازية ـ وقراءة الكسائي وأبي بكر ـ وهي قراءة تحمل السمات اللغوية البدوية ـ ثم لجأت اللغة إلى الإسكان تخفيفا، فهو أحد مظاهر التطور اللغوي نحو التخفيف، ولم يقتصر على أحد شطري الجزيرة العربية، إنما كلاهما استعمله؛ حيث إنه قراءة نافع و حفص ـ وهي قراءة حجازية ـ وقراءة حمزة وخلف وهي قراءة تحمل السمات اللغوية البدوية.
ـ الدرك : النساء ١٤٥، قرئ بإسكان الراء وفتحها، والإسكان قراءة حفص(١)، وفي التحليل ذكروا أنهما لغتان(٢)، وقيل: الأصل الفتح والإسكان تخفيف(٣)، والفتح أشهر(٤)، غير أنه روى عن عاصم: "لو كان الدرك بالفتح، لكانت السفلي بدلا من الأسفل؛ لأن الدرك بالفتح جمع دركة كبقرة وبقر"(٥)، ورفض أبو حيان هذا، وقال: إنه لا يلزم(٦).
ويرجح الباحث أن الأصل الفتح، فهو اللغة الأولى، ثم لجأت اللغة إلى الإسكان تخفيفا نتيجة التوالي المقطعي المكروه ـ ثلاثة مقاطع قصيرة ـ وأصبح الإسكان لغة ثانية تضارع في فصاحتها اللغة الأولى، وقد جمعت اللغة الحجازية بين اللغتين ؛ لأن الفتح قراءة أهل الحرمين والإسكان قراءة حفص.
(٢) جامع البيان ٩/٣٣٨، والجامع ٣/١٩٩٤، والبحر ٣/٣٨٠
(٣) حجة ابن خالويه ١٢٧
(٤) انظر: الكشف ١/٤٠١
(٥) الكشف ١/٤٠١، وإبراز المعاني ٤٢٤
(٦) البحر ٣/٣٨٠