وكان رسول الله - ﷺ - يتلى عليه ـ ويتلو ـ بعض كلمات القرآن بلهجات متعددة متباينة بلا تناقض في دلالتها تيسيرا على أهل تلك الهجات، ولعل صادق ما يدلك على هذا قصة عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم؛ حيث سمع عمر هشاما يقرأ سورة الفرقان بقراءة لم يسمعها عمر من رسول الله - ﷺ -، فانتهى أمرهما إلي رسول الله - ﷺ -، فأقرّ كلاً على قراءته قائلا: (أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف)، وفي رواية (فاقرأوا ما تيسر منها)(١).
وللباحث وقفة بصدد هذا الحديث؛ ليبدى رأيه فيما قيل في تفسيره، إذ إن القدماء قد اضطربوا في تفسير هذا الحديث، وسلكوا في ذلك مسالك شتي، وأولوا تأويلات لا تكاد تحصي، وأبوا إلا أن يضفوا على الحديث ما لا حاجة له من تأويلات وتفسيرات ولا مجال هنا لبثّ تلك التفسيرات؛ فذلك مبثوث في مظانه المتقدمة والمتأخرة(٢).
ويفسر د. إبراهيم أنيس سبب اضطراب المفسرين بأنهم خلطوا بين الأحرف السبعة والقراءات السبع التي سبعها ابن مجاهد(٣)، والباحث يرى أن تأويلات العلماء وتفسيراتهم قد بدأت قبل ابن قتيبة ـ أو به ـ حيث ذكر بعض تلك التفسيرات في مشكله، وقد توفي ابن قتيبة ٢٧٦ هـ أي قبل أن يسبع ابن مجاهد سبعته، حيث ألف كتابه في مطلع القرن الرابع، وهذا ينفي الصلة بين الأحرف السبعة وسبعة ابن مجاهد من حيث تفسيرات العلماء، ولعل سبب هذا الاضطراب راجع إلي أن العلماء قد حاولوا أن يستخرجوا من القراءات ما يتفق والحديث.
(٢) انظر: المشكل ٣٤ ومقدمتان في علوم القرآن ٢٠٨ و ٢٦٤ والجامع ١/٣٦ والإتقان في علوم القرآن ١/٤٥ وتاريخ القرآن ٢٣و ٢٢٧.
(٣) انظر: في اللهجات العربية ٥٧.